للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحي! كأنه قد تصرم أجلي ثم أعاد ربي خلقي كما بدأني، ثم أوقفني وسألني وسأل عني وهو أعلم بي ثم أشهدت الأمر الذي أذهلني عن أحبابي وأهلي، وشغلت بنفسي عن غيري، وبدلت السموات والأرض وكانتا تطيعان وكنت أعصي؛ وسيرت الجبال وليس لها مثل خطيئتي، وجمع الشمس والقمر وليس عليهما مثل حسابي؛ وانكدرت النجوم وليست تطلب بما عندي، وحشرت الوحوش ولم تعمل بمثل عملي، وشاب الوليد وهو أقل ذنبا منى.

ويحي! ما أشد حالي وأعظم خطري، فاغفر لي واجعل طاعتك همي، وقو عليها جسدي، وسخ نفسى عن الدنيا واشغلنى فيما ينفعنى، وبارك لي في قواها حتى ينقضي مني حالي، وامنن علي وارحمني حين تعيد بعد اللقاء خلقي، ومن سوء الحساب فعافني يوم تبعثني فتحاسبني، ولا تعرض عني يوم تعرضني بما سلف من ظلمي وجرمي (١)، وآمني يوم الفزع الأكبر يوم لا تهمني إلا نفسي، وارزقني نفع عملي يوم لا ينفعني عمل غيري.

إلهي أنت الذي خلقتني، وفي الرحم صورتني، ومن أصلاب المشركين نقلتني، قرنا فقرنا حتى أخرجتني في الأمة المرحومة، إلهي فارحمني إلهي فكما مننت علي بالإسلام فامنن علي بطاعتك، وبترك معاصيك أبدا ما أبقيتني ولا تفضحني بسرائري، ولا تخذلني بكثرة فضائحي.

سبحانك خالقي أنا الذي لم أزل لك عاصيا فمن أجل خطيئتي لا تقر عيني، وهلكت إن لم تعف عني، سبحانك خالقي بأي وجه ألقاك؟ وبأي قدم أقف بين يديك؟ وبأي لسان أناطقك؟ وبأي عين أنظر إليك؟ وأنت قد علمت سرائر أمري، وكيف أعتذر إليك إذا ختمت على لساني، ونطقت جوارحي بكل الذي قد كان مني.

سبحانك خالقي فأنا تائب إليك متبصبص؛ فاقبل توبتي، واستجب دعائي وارحم شبابي، واقلنى عثرتى، وارحم طول عبرتي، ولا تفضحني بالذي قد كان مني.


(١) فى المختصر: ولا تعرض على ما سلف من ظلمى وجرمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>