والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمرة. وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب:
دعوني أركع ركعتين فتركوه ثم قال: ولله لولا أن تحسبوا أن ما بى جزع لزدت. اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا. ثم قال:
فلست أبالي حين أقتل مسلما … على أي جنب كان فى الله مصرعى
وذلك في ذات الإله وإن يشأ … يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب أول من سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة.
• حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا أبو شعيب الحراني ثنا أبو جعفر النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مارية مولاة حجير بن أبي أهاب - وكانت قد أسلمت - قالت:
كان خبيب قد حبس في بيتي ولقد اطلعت إليه يوما وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، وما أعلم أن في الأرض حبة عنب تؤكل.
قال ابن إسحاق: وقال عاصم بن عمر بن قتادة: فخرجوا بخبيب إلى التنعيم ليقتلوه. فقال لهم: إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا. قالوا دونك فاركع، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ثم أقبل على القوم. فقال: والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة، ثم رفعوه على خشبة فلما أوثقوه قال: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يفعل بنا.
قال ابن إسحاق: ومما قيل فيه من الشعر قول خبيب بن عدي (١) حين بلغه أن القوم قد أجمعوا لصلبه فقال:
لقد جمع الأحزاب حولى وألبو … قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم … وقربت من جزع طويل ممنع
إلى الله أشكو كربتي بعد غربتي … وما جمع الأحزاب لى حول مصرعى
(١) كذا فى النسختين على أن هو خبيب نفسه.