وأحمدَ (١). وذهبتِ الهادويةُ إلى أنهُ يقدَّمُ الأفقهُ على الأقرأ؛ لأنَّ الذي يحتاجُ إليهِ منَ القراءةِ مضبوطٌ، والذي يحتاجُ إليهِ منَ الفقهِ غيرُ مضبوطٍ، وقدْ [يعرضُ](٢) في الصلاةِ أمورٌ لا يقدرُ على مراعاتِها إلَّا كاملُ الفقهِ، قالُوا: ولهذا قدَّمَ - صلى الله عليه وسلم - أبا بكرٍ على غيرِهِ معَ قولِهِ:"أقرؤُكم أُبيُّ"(٣).
قالُوا: والحديثُ خرجَ على ما كانَ عليهِ حالُ الصحابةِ منْ أنَّ الأقرأ هُوَ الأفقهُ، وقد قالَ ابنُ مسعودٍ: ما كنَا نتجاوزُ عشرَ آياتٍ حتَّى نعرفَ حكمُها وأمرَها ونهيَها، ولا يخفَى أنهُ يبعدُ هذا قولُهُ:"فإنْ كانُوا في القراءةِ سواءً فأعلمُهم بالسنةِ"؛ [فإنهُ دليلٌ على تقديمِ الأقرأ مطلقًا، والأقرأُ على ما فسَّروهُ بهِ هوَ الأعلمُ بالسنةِ](٤)، فلو أُريدَ بهِ [ذلك](٤) لكانَ القسمانِ قسمًا واحدًا.
وقولُهُ:"فأقدمُهم هجرةً" هوَ شاملٌ لمنْ [تقدَّمَ هجرة](٥)، سواءٌ كانَ في زمنهِ - صلى الله عليه وسلم - أو بعدَهُ، كمنْ يهاجرُ من دارِ الكفارِ إلى دار الإسلامِ، وأمّا حديثُ:"لا هجرةَ بعدَ الفتحِ"(٦)، فالمرادُ من مكةَ إلى المدينةِ، لأنَّهما جميعًا صارا دارَ إسلامٍ، ولعلَّهُ يقالُ: وأولادُ المهاجرينَ لهمْ حكمُ آبائِهم في [التقديم](٧)، وقولُهُ:"سلمًا" أي: مَنْ تقدمَ إسلامُهُ يقدَّمُ على مَنْ تأخرَ، وكذا روايةُ سنًّا أي: الأكبرُ [في السنِّ](٨)، وقد ثبتَ في حديثٍ مالكِ بن الحويرثِ (٩): "ليؤَّمكمْ أكبرُكم"، ومنَ الذينَ يستحقونَ التقديمَ قريشٌ لحديثِ:"قدِّمُوا قريشًا"(١٠)، قالَ الحافظُ
(١) انظر: "الفقه الإسلامي وأدلته" (٢/ ١٨٢ - ١٨٦) الأحق بالإمامة. (٢) في (أ): "تعرض". (٣) أخرج البخاري (٥٠٠٥) عن ابن عباس قال: "قال عمر: أُبيٌّ أقرَؤنا … ". (٤) زيادة من (ب). (٥) في (أ): "تقدمت هجرته". (٦) أخرجه مسلم (٨٦/ ١٨٦٤)، والبخاري (٣٩٠٠ و ٤٣١٢ و ٣٠٨٠) من حديث عائشة. (٧) في (أ): "التقدم". (٨) زيادة من (ب). (٩) رقم (١٣/ ٣٨٢). (١٠) وهو حديث صحيح. روي من حديث الزهري مرسلًا، ومن حديث عبد الله بن السّائب، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وجبير بن مطعم. • وأما حديث الزهري فأخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (٤/ ٢١١ رقم ٥٩١٢)، والشافعي في "المسند" (٢/ ١٩٤) عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه بلغه أن =