أكَل الميتةِ كبيرةً، ولا يعدُّ الغيبةَ كذلكَ، واللَّهُ أنزَلهما منزلةَ أكْلِ لحمِ الآدميِّ، أي: ميتًا. والأحاديثُ (١) في التحذيرِ منَ الغيبةِ واسعةٌ جدًّا دالةٌ على شدةِ تحريمها.
واعلمْ أنهُ قد استثنَى العلماءُ منِ الغيبةِ أمورًا ستةً:
الأول: التظلمُ، فيجوزُ أنْ يقولَ المظلومُ فلانٌ ظلمني وأخذَ مالي، أوْ أنهُ ظالمٌ، ولكنْ إذا كانَ ذكرُه لذلكَ شكاية لمن له قدرةٌ على إزالتها أو تخفيفِها، ودليلُه قولُ هندٍ عندَ شكايتها عليه - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أبي سفيانَ إنهُ رجلٌ شحيحٌ.
الثاني: الاستعانةُ على تغييرِ المنكرِ بذكرهِ لمنْ يظنُّ قدرتَه على إزالتِه، فيقولُ: فلانٌ فعلَ كذَا، في حقِّ مَنْ لم يكنْ مجاهِرًا بالمعصيةِ.
الثالث: الاستفتاءُ، بأنْ يقولَ للمفتي: فلانٌ ظلمني بكذَا فما [طريقي](٢) إلى الخلاصِ عنهُ، ودليلُه أنهُ لا يعرفُ الخلاصَ عما يحرُم عليهِ إلا بذكرِ ما وقعَ منهُ.
الرابع: التحذيرُ للمسلمينَ منَ الاغترارِ به، كجرحِ الرواةِ والشهودِ، ومنْ يتصدَّرُ [للتدريسِ](٣) والإفتاءِ معَ عدمِ الأهليةِ، ودليلهُ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بئسَ أخو العشيرةِ"(٤)، وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "أما معاويةُ فصعلوكٌ"(٥)، وذلك أنَّها جاءتْ فاطمةُ بنتُ
(١) أخرج البخاري في "صحيحه" (٦٧)، ومسلم رقم (١٦٧٩)، عن أبي بكرة قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته في حجة الوداع: "إن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلَّغت". • وما أخرجه مسلم رقم (٢٥٦٤)، والترمذي رقم (١٩٢٧)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل المسلم على المسلم حرام دمُهُ وعرضُهُ وماله". • وما أخرجه أبو يعلى في مسنده (٤٦٨٩) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تدرون أربى الربا عند الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم"، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٥٨]. • وما أخرجه أحمد (٦/ ١٨٩)، وأبو داود رقم (٤٨٧٥)، والترمذي رقم (٢٥٠٣) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: حسبُك من صفيةكذا وكذا. قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: "لقد قلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته". قالت: وحكيتُ له إنسانًا فقال: "ما أحب أني حكيتُ إنسانًا وأنَّ لي كذا وكذا". (٢) في (أ): "طريقتي". (٣) في (أ): "بالتدريس". (٤) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (٣١٣٢)، وأحمد في "مسندهِ" (٦/ ١٥٨)، والترمذي رقم (١٩٩٦)، وأبو داود رقم (٤٧٩٢). (٥) أخرجه مسلم (٢/ ١١١٩ رقم ٤٧/ ١٤٨٠)، وابن ماجه رقم (١٨٦٩). بلفظ: "أما معاوية=