فإنْ غلبتِ ابنَ آدمَ نفسُه [فثلثٌ](١) لطعامِه، و [ثلثٌ](١) لشرابهِ، و [ثلثٌ](١) لنفَسِه". الحديثُ دليلٌ على ذمِّ التوسعِ في المأكولِ والشبَعِ والامتلاءِ، والإخْبارُ عنهُ بأنهُ [شرٌّ لما فيهِ](٢) منَ المفاسدِ الدينيةِ والبدنيةِ، فإنَّ فضولَ الطعامِ مجلبَةُ [السقام](٣)، ومثبِّطةٌ عن القيامِ بالأحكامِ، وهذا الإرشادُ إلى جعلِ الأكلِ ثلثَ ما يدخلُ المعدةَ مِنْ أفضلِ ما يرشد إليه سيدُ الأنامِ - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه يخفُّ على المعدة، ويستمدُّ منه البدنُ الغذاءَ، وتنتفعُ به القِوى، ولا يتولَّدُ عنهُ شيءٌ منَ الأدْواءِ. وقدْ وردَ منَ الكلامِ النبوي شيءٌ كثيرٌ في ذمِّ الشِّبعِ، [فقد أخرج](٤) البزار (٥)[بإسنادينِ أحدِهما رجالُه ثقاتٌ مرفوعًا](٦) بلفظِ: "أكثرُ الناسِ شَبَعًا في الدنيا أكثرُهم جُوعًا يومَ القيامةِ"، قالَهُ - صلى الله عليه وسلم - لأبي جحيفةَ لما تجشأَ فقالَ: "ما ملأتُ بطني منذُ ثلاثينَ سنةً". وأخرجَ الطبرانيُّ (٧) بإسنادٍ حسنٍ: "أهلُ الشبعِ في الدنيا همْ أهل الجوعِ غدًا في الآخرة"، زادَ البيهقي (٨): الدنيا سجنُ المؤمنِ وجنةُ الكافرِ. وأخرجَ الطبراني (٩) بسندٍ جيدٍ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا عظيمَ البطنِ فقالَ بأُصبَعِهِ: "لوْ كانَ هذا في غيرِ هذا لكانَ خيرًا لكَ". وأخرجَ البيهقيُّ (١٠) واللفظُ لهُ، [وأخرجه](١١)
(١) في (ب): "فثلثًا". (٢) زيادة من (ب). (٣) في (ب): "للأسقام" (٤) في (أ): "فأخرج". (٥) رقم (٣٦٦٩ - كشف) وأورده في "مجمع الزوائد" (١٠/ ٣٢٣) وقال: رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما ثقات. قلت: وأخرجه الترمذي رقم (٣٤٧٨)، وقال: حديث غريب، وابن ماجه رقم (٣٣٥٠)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٥٦٤٦). والخلاصة: أن الحديث ضعيف. وانظر: "مجمع البحرين" (٧/ ٦٧ - ٦٨ رقم ٤٠٥٥). (٦) زيادة من (ب). (٧) كما في "مجمع الزوإئد" (١٠/ ٢٥٠). قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه يحيى بن سليمان الجفري، قال الذهبي: ما علمت به بأسًا وبقية رجاله ثقات". وهو حديث حسن. (٨) في "شعب الإيمان" رقم (٥٦٤٥). (٩) كما في "مجمع الزوائد" (٥/ ٣١)، قال الهيثمي: رواه الطبراني وأحمد (٤/ ٣٣٩) ورجال الجميع رجال الصحيح غير أبي إسرائيل الجشمي وهو ثقة. قلت: وأخرجه الحاكم (٤/ ٣١٧) وصححه، ووافقه الذهبي. والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (٥٦٦٦). (١٠) في "شعب الإيمان" رقم (٥٦٧٠). (١١) زيادة من (ب).