قالَ:(يا رسولَ اللَّهِ إنَّ لي كِلَابًا مكلَّبةً (١) فأفتني في صَيْدِها؟ [فقال](٢): كلْ مما أمسكْنَ عليكَ، قالَ: وإنْ أكَلَ؟ قالَ: وإنْ أكَلَ)، وفي حديثِ [سلمانَ](٣): "كُلْه وإن لم تدركْ منهُ إلا نصفَه"(٤).
قيلَ: فَيُحْمَلُ حديثُ عديٍّ على أن ذلكَ في كلبٍ قدِ اعتادَ الأكْلَ فخرجَ عن التعليمِ، وقيلَ إنهُ محمولٌ على [كراهةِ](٥) التنزيهِ، وحديثُ أبي ثعلبةَ لبيانِ أصلِ الحلِّ وقدْ كانَ عديٌّ موسرًا فاختار - صلى الله عليه وسلم - لهُ الأَوْلَى، وكانَ أبو ثعلبةَ مُعْسِرًا فأفتاهُ بأصلِ الحِلِّ.
وقالَ الأولونَ: الحديثانِ قدْ تعارضَا، وهذهِ الأجوبةُ لا يخْفَى ضعْفُها فيرجعُ إلى الترجيحِ. وحديثُ عديٍّ أرجحُ لأنهُ مُخْرَجٌ في الصحيحين ومتأيدٌ بالآيةِ، وقدْ صرَّحَ - صلى الله عليه وسلم - بأنهُ يخافُ أنهُ إنَّما [أمسكه](٦) على نفسِه فَيُتْرَكُ ترجِيْحًا لجنبةِ [الحظْر](٧) كما [قالَ](٨) - صلى الله عليه وسلم - في الحديثِ (٩): "وإنْ وجدْتَ معَ كلْبِكَ [كلْبًا](١٠) آخرَ - إلى قولِه:[فلا تأكَلْ](١١) فإنهُ نَهْيٌ عنهُ لاحتمالِ أن المؤثرَ فيهِ كلبٌ آخرُ غيرُ المرسَلِ [فيترك](١٢) ترجيحًا لجنبةِ الحظْرِ.
وقولُه (١٣): (فإنْ غابَ عنكَ يوما فلم تجدْ فيهِ إلا أثرَ سهْمِكَ فكلْه إنْ شِئْتَ)، اختلفتِ الأحاديثُ في هذَا. فرَوَى مسلمٌ (١٤) وغيرُه منْ حديثِ أبي ثعلبةَ في الذي
(١) مكَلَّبة: المسلَّطة على الصيد، والمُعَوَّدة بالاصطياد التي ضرِبت به، والمُكَلِّب: بالكسر صاحبها الذي يصطاد بها. "النهاية" (٤/ ١٩٥). (٢) في (ب): "قال". (٣) زيادة من (ب). (٤) فلينظر من أخرجه؟!. وقد أخرج مالك (٢/ ٤٩٣) بلاغًا عن مالك بن أنس بلغه عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: "أنه سئل عن الكلب المعلَّم إذا قتلَ الصيد؟ فقال سعد: كل أن لم يبقَ إلا بضعة واحدة"، وإسناده منقطع. (٥) زيادة من (ب). (٦) في (ب): "أمسك". (٧) في (أ): "الحفر". (٨) في (أ): "قاله". (٩) أخرجه مسلم (٦/ ١٩٢٩). وهو حديث الباب. (١٠) زيادة من (ب). (١١) في (أ): "ولا تأكله". (١٢) في (ب): "فيتركه". (١٣) أخرجه مسلم (٦/ ١٩٢٩)، وهو حديث الباب. (١٤) في "صحيحه" (١٩٣١).