وقالَ ابنُ العربيِّ في شرح الترمذي (١): إنَّ جرادَ الأندلسِ لا يُؤْكَلُ لأنهُ ضررٌ محضٌ. فإذا ثبتَ [ذلك](٢) فتحريْمُها لأجلِ الضررِ كما تحرَّمُ السمومُ ونحوُها. واختلفُوا هلْ أَكَلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الجرادَ أم لا؟ وحديثُ الكتاب يحتملُ أنهُ كانَ [يأكلُ](٣) معهُم إلَّا أن في روايةِ البخاريِّ (٤) زياد: "نأكلُ الجرَادَ معهُ"، قيلَ: وهيَ محتملةٌ أن المرادَ غزوْنا معهُ فيكونُ تأكيدًا لقولِه معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ويحتملُ أن المرادَ نأكلُ معهُ.
قلتُ: وهذا الأخيرُ هوَ الذي يحسنُ حَمْلُ الحديثِ عليهِ، إذِ التأسيسُ أبلغُ منَ التأكيدِ، ويؤيدُه ما وقعَ في الطبِّ عندَ أبي نعيمٍ بزيادةِ: ويأكلُ معَنا. وأما ما أخرجَه أبو داودَ (٥) منْ حديثِ سَلمانَ: "أنهُ سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الجرادِ فقالَ: "لا آكلُه ولا أحرِّمُه"، فقدْ أعلَّه المنذريُّ بالإرسالِ (٦)، وكذلكَ ما أخرجَهُ ابنُ عديٍّ (٧) في ترجمةِ ثابتِ بن زهيرٍ عنْ نافعٍ عن ابن عمرَ: "أنهُ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن الضبِّ فقال:"لا آكلهُ ولا أحرِّمه"، وسُئِلَ عن الجرادِ "فقالَ مثلَ ذلكَ"، فإنهُ قالَ النَّسَائِي (٨): ثابتُ ليسَ بثقةٍ. ويؤكلُ عندَ الجماهيرِ على كلِّ حالٍ، ولو ماتَ بغيرِ
= قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (٣/ ٦٤ رقم ١١٠٨/ ٣٢٢٠): "هذا إسناد ضعيف لضعف أبي سعد واسمه سعيد بن المرزبان". (١) في "عارضة الأحوذي" (٨/ ١٦). (٢) في (ب): "ما قاله". (٣) في (أ): "أكل". (٤) في "صحيحه" رقم (٥٤٩٥). (٥) في "السنن" (٤/ ١٦٥ رقم ٣٨١٣) قال أبو داود: رواه المعتمر، عن أبيه، عن أبي عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يذكر سلمان. قلت: وأخرجه ابن ماجه مسندًا (٢/ ١٠٧٣ رقم ٣٢١٩)، وأبو داود (٤/ ١٦٥ رقم ٣٨١٤). وقال أبو داود: رواه حمَّاد بن سلمة، عن أبي العوام، عن أبي عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يذكر سلمان. والخلاصة: أن الحديث اختلف في وصله وإرساله، والمحفوظ أنه مرسل فهو ضعيف، واللهُ أعلم. (٦) في "المختصر" (٥/ ٣٢٣). (٧) في "الكامل" (٢/ ٥٢١) وفيه ثابت بن زهير عن نافع منكر الحديث. وقال ابن عدي: ولثابت بن زهير غير ما ذكرت عن نافع، وعن الحسن، وكل أحاديثه تخالف الثقات في أسانيدها ومتونها. والخلاصة: أن الحديث موضوع، واللَّهُ أعلم. (٨) في "الضعفاء" رقم (٩٧).