(وأخرجَ مسلمٌ بعضَه منْ حديثِ أنسٍ وفيهِ: أن مَنْ جاءَ منكمْ لم نردُّه عليكمْ ومَنْ جاءَكم منَّا رددتُموه علينَا)، أي مَنْ جاءَ منَ المسلمينَ إلى كفارِ مكةِ لم يردُّوهُ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ومَنْ جاءَ منْ أهلِ مكةَ إليهِ - صلى الله عليه وسلم - ردَّه إليهمْ، فكرهَ المسلمونَ ذلكَ:(فقالُوا: أتكتبُ هذا يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: نعمْ إنهُ مَنْ ذهبَ منَّا إليهمْ فابعدَهُ اللَّهُ، ومنْ جاءَنا منْهم فسيجعلُ اللَّهُ لهُ فَرَجًا ومَخْرَجًا)، فإنهُ - صلى الله عليه وسلم - كتبَ هذا الشرطَ معَ ما فيهِ منْ كراهةِ أصحابِه لهُ.
والحديثُ طويلٌ ساقَه أئمةُ السِّيرِ في قصةِ الحديبيةِ واستوفاهُ ابنُ القيمِ في "زادِ المعادِ"(٢) وذكرَ فيهِ كثيرًا منَ الفوائدِ، وفيهِ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - ردَّ إليهم أبا جندلٍ بنَ سهيلٍ وقدْ جاءَ مسلمًا قبلَ تمامِ كتابِ الصلحِ، وأنهُ بعدَ ردِّهِ إليهمْ جعلَ اللَّهُ لهُ فرجًا ومخرجًا، ففر من المشركين إلى أبي بصير عند سيف البحر حين أقام به على طريقهم يقطعها عليهم، وانضاف إليه جماعةٌ منَ المسلمينَ حتَّى ضيَّقَ على أهلِ مكةَ مسالكَهم، والقصةُ مبسوطةٌ في كتبِ السِّيَرِ.
وقدْ ثبتَ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - يردَّ النساءَ الخارجاتِ إليهِ، فقيلَ لأنَّ الصلحَ إنما وقعَ في حقِّ الرجالِ فقط دونَ النساءِ، وأرادتْ قريشٌ تعميمَ ذلكَ في الفريقينِ، فإنَّها لما خرجتْ أمُّ كُلثومٍ بنتُ أبي معيطٍ مهاجرةً طلبَ المشركونَ رجوعَها فمنعَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عنْ ذلكَ وأنزلَ اللَّهُ تعالَى الآيةَ.