وأما عدمُ أخذِها منَ العربِ فإنَّها لم تُشْرَعْ إلَّا بعدَ الفتحِ وقدْ دخلَ العربُ في الإسلامِ ولم يبقَ منْهم عدو يحارب فلم يبقَ [منهم](١) بعدَ الفتح مَنْ يُسْبَى ولا مَنْ تضربُ عليهِ الجزيةُ، بلْ مَنْ خرجَ بعدَ ذلكَ عنِ الإسلامِ منهم فليسَ إلَّا السيفُ أوِ الإسلامُ كما ذلكَ الحكمُ في أهلِ الرِدَّةِ، وقدْ سَبَى - صلى الله عليه وسلم - قبلَ ذلكَ منَ العربِ بني المصطلقِ وهوازنَ، وهلْ حديثُ ألاستبراءِ إلَّا في سبايا أوطاسٍ (٢)، واستمرَّ هذا الحكمُ بعدَ عَصْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - ففتحتِ الصحابةُ - رضي الله عنهم - بلادَ فارسَ والرومِ وفي رعاياهُم العربُ خصوصًا الشامُ والعراقُ ولم يبحثُوا عنْ عربيٍّ منْ عجميٍّ بلْ عمَّمُوا حُكْمَ السبي والجزيةِ على جميعِ مَنِ استَوْلَوْا عليهِ.
وبِهذَا يعرفُ أنَّ حديثَ بريدةَ كانَ بعدَ نزولِ فرضِ الجزيةِ وفرضُها كانَ بعدَ الفتحِ، فكانَ فرضُها في السنةِ الثانيةِ من الفتح عندَ نزولِ سورةِ براءةِ، ولهذا نَهى فيهِ عن الْمُثْلَة، ولم ينزلِ النَّهْيُ عنْها إلَّا بعدَ أُحُدٍ، وإلى هذا المعنَى جنحَ ابنُ القيِّمِ في الهدي (٣) ولا يخْفَى [قُوَّتُهُ](٤).
(١) في (ب): "فيهم". (٢) أوطاس: واد في ديار هوازن، فيه كانت وقعة حُنين للنبي - صلى الله عليه وسلم - ببني هوازن، [معجم البلدان: (١/ ٢٨١)]. • وأما الحديث فقد أخرجه أحمد في "المسند" (٣/ ٦٢)، وأبو داود رقم (٢١٥٧)، والحاكم في "المستدرك" (٢/ ١٩٥) وصححه على شرط مسلم. وصحَّحه الألباني في "الإرواء" رقم (١٨٧) من حديث أبي سعيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتَّى تضع، ولا غير حامل حتَّى تحيض حيضة". (٣) أي كتابه: "زاد المعاد في هدي خير العباد"، وهو أنفس ما ألف في السيرة النبوية والفقه". (٤) في (أ): "قربة".