فيتحصل مما ذكرَ جميعًا أنَّ الخمرَ حقيقةٌ لغويةٌ في عصيرِ العنبِ المشتدِّ الذي يقذفُ بالزبدِ وفي غيرِه مما يسكرُ، حقيقةٌ شرعيةٌ أو قياسٌ في اللغةِ أوْ مجازٌ، فقدْ حصلَ المقصودُ منْ تحريمِ ما أسكرَ منْ ماءِ العنبِ أوْ غيرِه إمَّا بنقلِ اللفظِ إلى الحقيقةِ الشرعيةِ أو بغيرِه. وقدْ علمتَ أنهُ أطلقَ عمرُ وغيرُه منَ الصحابةِ (١) الخمرَ على كلِّ ما أسكرَ، وهمْ أهلُ اللسانِ والأصلُ الحقيقةُ وقد أحسنَ صاحبُ "القاموس"(٢) بقولِه والعمومُ أصحُّ.
وأما الدَّعاوَى التي تقدَّمتْ علَى اللغةِ كما قالَه ابنُ سَيْدَهْ (٣) وشارحُ "الكنزِ"(٤) فما أظنُّها إلَّا بعدَ تقرُّرِ هذهِ المذاهبِ، [فكلٌ](٥) تكلَّمَ على ما يعتقدُه ونزلَ في قلبهِ منْ مذهبِه ثمَّ جعلَه لأهلِ اللغةِ.
المسألةُ الثانيةُ: وقولُه: (فجلدَ بجريدتيْنِ نحوَ أربعينَ) فيهِ دليلٌ على ثبوتِ الحدِّ على شاربِ الخمرِ، وادعَّى فيهِ الإجماعَ ونُوزِعَ في دعْواهُ لأنهُ قدْ نقلَ عنْ طائفةٍ منْ أهلِ العلمِ أنهُ لا يجبُ فيهِ إلَّا التعزيرُ لأنهُ - صلى الله عليه وسلم - لم ينصَّ على حدٍّ معيَّنٍ وإنَّما ثبتَ عنهُ الضربُ المطْلَقُ.