ولم يقدِّروهُ بزمانٍ، وقالَ الأوزاعيُّ: إنْ فُطِمَ ولهُ عامٌ واحدٌ واستمرَّ فِطَامُهُ ثمَّ رضعَ في الحوليْن لم يحرِّمْ هذا الرضاعُ شيئًا وإنْ تمادَى رضاعُه ولم يفطمْ فما يرضعُ وهوَ في الحولينِ حرِّم وما كان بعدهما [لم](١) يحرِّم [وإنْ تَمَادَى إرضاعُه](٢). وفي المسألةِ أقوالٌ أُخَرُ عاريةٌ عن الاستدلالِ فلا نطيلُ بها المقالُ، واستدلَّ الجمهورُ بحديثِ:"إنَّما الرضاعةُ منَ المجاعةِ"(٣) وتقدَّم بأنه لا يصدقُ ذلكَ إلَّا على مَنْ يشبعُه اللبنُ ويكونُ غذاء لا غير فلا يدخلُ الكبيرُ سيَّما وقدْ وردَ بصيغةِ الحصرِ، وأجابُوا عنْ حديثٍ سالمٍ [هذا](٤) بأنهُ خاصٌ بقصةِ سهلةَ فلا يتعدَّى حكمُه إلى غيرِها كما يدلُّ لهُ جوابُ أمّ سلمةَ أمِّ المؤمنينَ لعائشةَ - رضي الله عنها -: "لا نَرَى هذا إلَّا خاصًّا بسالمٍ وما نَدْرِي لعلَّهُ رخصةٌ لسالمٍ"، أوْ أنهُ منسوخٌ.
وأجابَ القائلونَ بتحريمِ رضَاعِ الكبيرِ بأنَّ الآيةَ وحديثَ:"إنما الرضاعةُ منَ المجاعةِ"(٣) واردانِ لبيانِ الرضاعةِ الموجبةِ للنفقةِ للمرضعةِ [والذي](٥) يجبرُ عليْها الأبوانِ رضِيا أمْ كَرِها كما يرشدُ إليهِ آخرُ الآيةِ وهوَ قولُه تعالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(٦)، وعائشةُ هيَ الراويةُ لحديثِ:"إنَّما الرضاعةُ منَ المجاعةِ"(٣) وهيَ التي قالتْ: "برضاعِ الكبيرِ، وأنهُ يحرمُ فدلَّ أنَّها فهمتْ ما ذكرْنَاهُ في معنَى الآيةِ والحديثِ. وأما قولُ أمِّ سلمةَ إنهُ خاصٌّ بسالمٍ فذلكَ تَظَنُّنٌ منْها وقدْ أجابتْ عليْها عائشةُ فقالتْ: أما لكِ في رسولِ اللَّهِ أسوةٌ حسنةٌ، فسكتتْ أمُّ سلمةَ ولوْ كانَ خاصًّا لبيَّنهُ - صلى الله عليه وسلم - بيَّنَ اختصاصَ أبي بردةَ بالتضحيةِ بالجذعةِ منَ المعْزِ (٧). والقولُ بالنسخِ يدفعُه أن قصةَ سهلةَ [متأخرةٌ](٨) عنْ نزولِ آيةِ
(١) في (ب): "لا". (٢) زيادة من (ب). (٣) وهو حديث متفق عليه تقدم تخريجه رقم (٢/ ١٠٥٩) من كتابنا هذا. (٤) زيادة من (أ). (٥) في (ب): "والتي". (٦) سورة البقرة: الآية ٢٣٣. (٧) يشير المؤلف رحمه اللهُ إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في رقم (٥٥٥٦)، ومسلم رقم (٤/ ١٩٦١)، وأبو داود رقم (٢٨٠٠)، والترمذي رقم (١٥٠٨)، والنسائي (٧/ ٢٢٢، ٢٢٣)، عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: ضحَّى خالٌ لي يُقالَ له أبو بُردة قبل الصلاة، فقال له رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "شاتُكَ شاةُ لحم" فقال: يا رسولَ اللَّهِ، إن عندي داجنًا جذعةً من المعز، قال: "اذبحها ولا تصلُحُ لغيرك" … الحديث. (٨) في (أ): "متوخرة".