والحديثُ دليلٌ على أن منِ استهلكَ على غيرِه شيئًا كانَ مضمونًا بمثلِه، وهوَ متفقٌ عليهِ في المِثْلِيِّ منَ الحبوبِ وغيرِها. وأما القيميِّ ففيهِ ثلاثةُ أقوالٍ. الأولُ للشافعيِّ (٣) والكوفيينَ: أنهُ يجبُ فيهِ المثلُ حيوانًا كانَ أو غيرَهُ، ولا تجزئُ القيمةُ إلَّا عندَ عدمِه. والثاني للهادويةِ (٤): أن القيميَّ يُضْمَنَ بقيمتِه. وقالَ مالكٌ (٥) والحنفيةُ (٦): أما ما يُكالُ أو يُوزَنُ فمثلُه وما عدَا ذلكَ منَ العُروضِ والحيواناتِ فالقيمةُ. واستدلَّ الشافعيُّ ومَنْ معَهُ بقولِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إناءٌ بإناءٍ وطعامٌ بطعامٍ"، وبما وقعَ في روايةِ ابن أبي حاتمٍ (٧): "منْ كسرَ شيئًا فهوَ له عليهِ مثلُه". زادَ في روايةِ الدارقطنيِّ (٨): فصارتْ قضيةً، أي مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أي حُكمًا عامًا لكلِّ مَنْ وقعَ لهُ مثلُ ذلكَ، فاندفعَ قولُ مَنْ قالَ إنَّها قضيةُ عينٍ لا عمومَ فيها، ولو كانتْ كذلكَ لكانَ قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "إناءٌ بإناءٍ وطعامٌ بطعامٍ" كافيًا في الدَّلِيلِ على أن ذكرَه للطَّعام أوضح في التشريعِ العامِّ، لأنهُ لا غرامة هنا للطعامِ بلِ الغرامةُ
(١) أخرجه الدارقطني (٤/ ١٥٣ رقم ١٤)، من حديث عمران بن خالد الخزاعي عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه -. وفيه: "قال عمران أكبر ظني أنه قال حفصة"، قال أبو زرعة فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في "العلل" (١/ ٤٦٦ رقم ١٤٠٠): هذا خطأ - (أي رواية عمران عن ثابت) - رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي المتوكل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصحيح. (٢) أخرجه أبو داود (٣٥٦٨)، والنسائي (٣٩٥٧)، وأحمد (٦/ ١٤٨، ٢٧٧)، وحسَّنه الحافظ في "الفتح" (٥/ ١٢٥). (٣) انظر: "روضة الطالبين" (٤/ ٢٥٥). (٤) قال في "البحر الزخار" (٥/ ٧٥): وفاسده (أي فاسد الضمان) أي يضمن بغير ما قد وجب كبقيمي قد تلف، ومعنى كبقيمي: الكاف للتشبيه، القيمي: أي ذو قيمة مادية أو ثمن معلوم. وانظر (٤/ ١٧٤). (٥) انظر: "بداية المجتهد" (٤/ ١٣٨) بتحقيقنا. (٦) ما نقله الشارح يوافق ما ذكر ابن حزم في "المحلَّى" (٨/ ١٤٠)، أما ابن رشد فقال في "البداية" (٤/ ١٣٨): "واختلفوا في العروض فقال مالك: لا يقضي في العروض من الحيوان وغيره إلا بالقيمة يوم استهلك، وقال الشافعي وأبو حنيفة وداود: الواجب في ذلك مثل ولا تلزم القيمة إلَّا عند عدم المثل" اهـ. (٧) ذكره في "العلل" (١/ ٤٦٦ رقم ١٤٠٠). (٨) في "سننه" (٤/ ١٥٣ رقم ١٤)، وتقدم آنفًا.