هوَ منْ عطفِ التلقينِ كما في قولهِ تعالى:{قَالَ وَمَنْ كَفَرَ}(١) على أحدِ الوجهينِ في الآيةِ كأنهُ قيلَ: وارحمِ المقصِّرينَ (يا رسولَ اللَّهِ، قالَ في الثالثةِ: والمقصرينَ. متفقٌ عليهِ). وظاهرهُ أنهُ دعا للمحلِّقينَ مرتينِ، وعطفَ المقصِّرينَ في الثالثةِ، وفي رواياتٍ أنهُ دعا للمحلِّقينَ ثلاثًا ثمَّ عطفَ المقصِّرينَ، ثمَّ إنهُ اختُلِفَ في هذا الدعاءِ متى كانَ منهُ - صلى الله عليه وسلم -، فقيلَ في عمرةِ الحديبيةِ وجزمَ بهِ إمامُ الحرمينِ، وقيلَ في حجَّةِ الوداعِ وقوَّاهُ النوويُّ (٢)، وقالَ: هوَ الصحيحُ المشهورُ. وقالَ القاضي عياضُ: كان في الموضعينِ. قالَ النوويُّ: ولا يبعدُ ذلكَ، وبمثلِه قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ (٣). قالَ المصنفُ (٤): وهذا هوَ المتعينُ لتضافرِ الرواياتِ بذلكَ.
والحديثُ دليلٌ على شرعيةِ الحلقِ والتقصيرِ، وأنَّ الحلقَ أفضلُ. هذا ويجبُ في حلقِ الرأسِ استكمالُ حلْقه عندَ الهادوية (٥)، ومالكِ (٦)، وأحمدَ (٧)، وقيلَ: هوَ الأفضلُ، ويجزئُ الأقلُّ فقيلَ الرُّبُعُ، وقيلَ النصفُ، وقيلَ أقلُّ ما يجبُ حلقُ ثلاثِ شعراتٍ، وقيلَ شعرةٌ واحدةٌ، والخلافُ في التقصير في التفضيل مثلُ هذا، وأما مقدارُه فيكونُ [مقداره قدر أنْمُلة](٨)، وقيلَ: إذا اقتصرَ على دونِها أجزأَ، وهذا كلُّه في حقِّ الرجالِ، ثمَّ هو [أيضًا](٩) أيْ: تفضيلُ الحلْقِ على التقصيرِ أيضًا في حقِّ الحاجِّ والمعتمرِ، وأما المتمتعُ فإنهُ - صلى الله عليه وسلم - خيَّرهُ بينَ الحلقِ والتقصيرِ كما في روايةٍ البخاريِّ بلفظِ:"ثمَّ يحلقُوا أو يقصِّروا". وظاهرُ الحديثِ استواءُ الأمرينِ في حقِّ المتمتعِ، وفصَّلَ المصنفُ في الفتح فقالَ: إنْ كانَ [بحيثُ يطلعُ](١٠) شعْرُه فالأوْلى لهُ الحلقُ وإلَّا فالتقصيرُ، ليقعَ الحلقُ في الحجِّ وبيَّنَ وجْهَ التفصيلِ في الفتح. وأما النساءُ فالمشروعُ في حقِّهنَّ التقصيرُ إجماعًا. وأخرجَ أبو داوَدَ (١١) منْ حديثٍ ابن عباسٍ: "ليسَ على النساءِ حلقٌ، وإنَّما على النساءِ التقصيرُ".
(١) سورة البقرة: الآية ١٢٦. (٢) في "شرح صحيح مسلم" (٩/ ٥٠). (٣) في كتابه: "إحكام الأحكام" (٣/ ٨٤). (٤) في "الفتح" (٣/ ٥٦٤). (٥) انظر: "التاج المذهب" (١/ ٢٩٩). (٦) انظر: "قوانين الأحكام" (ص ١٥٣). (٧) انظر: "المغني" لابن قدامة (٥/ ٣٠٣ - ٣٠٤) تحقيق: التركي والحلو. (٨) في النسخة (ب): "مقدار أنملة". (٩) زيادة من (أ). (١٠) في النسخة (أ): "حيث. تطلع". (١١) في "السنن" (١٩٨٤) ورقم (١٩٨٥)، وهو حديث صحيح.