فهذه المواقيتُ التي عيَّنَها - صلى الله عليه وسلم - لمنْ ذكرَه منْ أهلِ الآفاقِ، وهي أيضًا مواقيتُ لمنْ أَتَى عليها وإنْ لم يكنْ منْ أهل تلكَ الآفاقِ المعينة، فإنهُ يَلزَمُهُ الإحرامُ منْها إذا أَتَى عليْها قاصدًا لإتيانِ مكةَ لأحدِ النّسكينِ، فيدخلُ في ذلكَ ما إذا وردَ الشاميُّ مثلًا إلى ذي الحليفة، فإنهُ يجبُ عليهِ الإحرامُ منْها ولا يتركُه حتى يصلَ الجحفةَ، فإن أخَّرَ أساءَ ولزمَهُ دمٌ هذا عندَ الجمهورِ. وقالتِ المالكيةُ (٤): إنهُ يجوزُ لهُ التأخيرُ إلى ميقاتِهِ وإنْ كانَ الأفضلُ لهُ خلافَه. [قالوا](٥): والحديثُ محتملٌ؛ فإنَّ قولَه:"هُنَّ لهنَّ" ظاهرُه العمومُ لمنْ كانَ منْ أهلِ تلكَ الأقطارِ سواءٌ وردَ على ميقاتِه أو وردَ على ميقاتٍ آخَرَ، فإنَّ لَهُ العدولَ إلى ميقاتِهِ كما لو وردَ الشاميُّ على ذي الحليفةِ، فإنهُ لا يلزمُه الإحرامُ منْها بلْ يُحْرِمُ منَ الجحفةِ، وعمومُ قولِه:"ولمن أتى عليهنَّ منْ غيرهنَّ"، [فإنه](٥) يدلُّ على أنهُ يتعينُ على الشاميِّ في مثالِنا أنْ يحرِمَ منْ ذي الحليفةِ لأنهُ منْ غيرِ أهلِهنَّ [إنما يتعين على من كان من أهل المواقيت](٥). قالَ ابنُ دقيق العيدِ: قولُه: "ولأهل الشامِ
(١) وهي تساوي (٩٤ كم). (٢) وهي تساوي (٥٤ كم). وأما ميقات أهل العراق ذات عرق يبعد عن مكة (٩٤ كم). انظر كتابنا: "الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان الشرعية". (٣) في "صحيحه" (١٥٣٠). (٤) انظر: "أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك"، لأبي بكر بن حسن الكشتاوي (١/ ٤٥٠ - ٤٥٣). (٥) زيادة من النسخة (أ).