قلتُ: ولا يخْفَى أن بعدَ هذا التقييدِ يلزمُ منهُ جوازُ تقام رمضانَ بأيِّ صومٍ كانَ، وهوَ خلافُ الظاهر من النهي، فإنهُ عامٌّ لم يستثنِ منهُ إلا صوم منِ اعتادَ صومَ أيامٍ معلومةٍ ووافقَ آخرَ يومٍ منْ شعبانَ، ولو أرادَ - صلى الله عليه وسلم - الصومَ المقيدَ بما ذكرَ لقالَ إلا متنفِّلًا أو نحوَ هذا اللفظِ. وإنَّما نَهَى عنْ تقدُّم رمضانَ لأنَّ الشارعَ قدْ علَّق الدخولَ في صومِ رمضانَ برؤيةِ هِلالِهِ، فالمتقدِّمُ عليهِ مخالفٌ للنصِّ أمرًا ونهيًا. وفيهِ إبطالٌ لما يفعلُه الباطنيةُ من تقدُّم الصومِ بيومٍ أو يومين قبلَ رُؤيةِ هلالِ رمضانَ، وزعْمُهم أن اللامَ في قولهِ: صومُوا لرؤيتهِ، في معنى مستقبلينَ لها، وذلكَ لأنَّ الحديثَ يفيدُ أن اللامَ لا يصحُّ حملُها على هذا المعنى وإنْ وردتْ لهُ في مواضعَ. وذهبَ بعضُ العلماء إلى أن النَّهيَ عن الصومِ منْ بعدِ النصفِ الأَولِ منْ يومِ سادسَ عشرَ منْ شعبانَ لحديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا:"إذا انتصفَ شعبانُ فلا تصومُوا"، أخرجهُ أصحابُ السننِ (٢) وغيرُهم، وقيلَ: إنهُ يكرهُ بعدَ الانتصافِ
= (٤/ ٢٤٧). وقال النووي في "المجموع" (٦/ ٢٤٨): "هذا حديث ضعيف، ضعَّفه البيهقي وغيره، والضعف فيه بيِّن، فإن من رواته: "نجيح السندي" وهو ضعيف سيء الحفظ" اهـ. (١) في "السنن" (٣/ ٦٩). (٢) أبو داود (٢٣٣٧)، والترمذي (٧٣٨)، وابن ماجه (١٦٥١). وهو حديث صحيح، وقد صحَّحه الألباني في صحيح ابن ماجه.