ولكن. . ما بالنا قد تركنا أمه هناك؟. . لنرجع إليها على وشك. . فإنها ما زالت لهيفة عبرى. . تتحس أخباره ولا صدى. . وتقتفي آثاره ولا شبح. . إنها ما زالت كالطائر المجروح، الذي فقد أفراخه الصغار!. . إنها ما زالت تلوب ظامئة حول أبعاد رحلته تريد أن تعرف ما مصيره. . تهتف بأخته مريم:(قصيه). . وتمضي الفتاة جانب النهر. . تتسمع حتى خففات الصدور، وهمسات الجفون، حتى تقف أخيرا على طرف من الخيط الذاهب هناك. . في قصر فرعون. . إن شقيقها الطفل وراء هذه الجدران. . إنه مصر بكل ما في طفولته البريئة من تشامخ عنيد ألهمه الله إياه ألا يقرب من هذه الأثداء المأجورة ثديا واحدا يرضعه. . .
وحين ترى الفتاة اللهفانة جارية من جواري القصر. . تدنو منها في جلد محاذر مشبوب وتهمس في أذنها:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}(١) فترقص ابتسامة جذلى في عيني الجارية، وتقول: أجل. . أجل. . من هؤلاء يا أختاه؟ وتمضي بها عجلانة إلى سيدتها آسية، فتسر الفتاة إليها - في حذر - بخبر المرضع التي ليست سوى أم الوليد. . وحين يؤتى إلى أمه الوالهة. . تتطلع إليه في تشوف مبهور. . وتضمه في جذل خائف إلى صدرها الحاني. . فيرضع الطفل حتى يروى. . بين ذهول الجواري وتوثب مريم في حذر بهيج.
وتستدعي ربة القصر أمه إلى قصرها. . تريد أن ترضع الغلام هناك. . فتتأبى هذه وتتمنع حتى تنزل السيدة على إرادتها. . على إرادة الإصرار في موقف الأم. . التي ما زالت تحيا وراء ستار المرضع الحانية الرؤوم. . .
(١) سورة القصص الآية ١٢ (٢) سورة القصص الآية ٤ (٣) سورة القصص الآية ٥ (٤) سورة القصص الآية ٦ (٥) سورة القصص الآية ٧ (٦) سورة القصص الآية ٨ (٧) سورة القصص الآية ٩ (٨) سورة القصص الآية ١٠ (٩) سورة القصص الآية ١١ (١٠) سورة القصص الآية ١٢ (١١) سورة القصص الآية ١٣ (١٢) سورة القصص الآية ١٤