وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ}(١) وقد ظهرت عند بعضهم شبهات تفت في عضد المحاربين للتتار، من نحو قولهم: كيف نقاتل هؤلاء التتار وهم يظهرون الإسلام وليسوا بغاة على الإمام. . فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه. فرد شيخ الإسلام ابن تيمية هذه الشبهة قائلا:
هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية - رضي الله عنهما - ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما، وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين وهم متلبسون بالمعاصي والظلم.
فانجلى الموقف وزالت الشبهة، وتفطن العلماء لذلك، ومضى يؤكد لهم هذا الموقف قائلا:
إذا رأيتموني في ذلك الجانب - يريد جانب العدو - وعلى رأسي مصحف فاقتلوني، (٢) فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم.
وامتلأت قلعة دمشق والبلد بالناس الوافدين، وازدحمت المنازل والطرق، وخرج الشيخ تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله - من دمشق صبيحة يوم الخميس من باب النصر، بمشقة كبيرة، وصحبته جماعة كبيرة؛ ليشهد القتال بنفسه وبمن معه، فظن بعض الرعاع أنه خرج للفرار، فقالوا: أنت منعتنا من الجفل وها أنت ذا هارب من البلد. . . فلم يرد عليهم إعراضا عنهم وتواضعا لله، ومضى في طريقه إلى ميدان المعركة.
وخرجت العساكر الشامية إلى ناحية قرية الكسوة.
ووصل التتار إلى قارة (٣) وقيل: إنهم وصلوا إلى القطيفة فانزعج الناس لذلك،
(١) سورة الحج الآية ٦٠ (٢) ((البداية والنهاية)) ١٤/ ٢٤ (٣) قرية في الطريق بين دمشق وحمص. (انظر الخريطة)