هذا وجهين: أحدهما أن يكون المعنى الذي يوقع الوسوسة في صدور الناس، فيكون ذلك أعم من أن يكون هو في الصدور أو خارجا عنها، الثاني: أن يكون المعنى: الذي يوسوس كائنا أو مستقرا في صدور الناس، فيكون محل الجار والمجرور نصبا على الحال، وهو أوفق للسنة الصحيحة، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم (١)»
واعلم أن الوسوسة على القلب، وإنما يعبر عنه بالصدر لأنه محل القلب كما عبر عن العقل بالقلب لأنه محله في قوله -عز وجل-: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}(٢) وقوله -عز وجل-: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}(٣) هذا بيان لخنس الخناس وتقسيم له إلى نوعين الجنة والناس، أي من شر الوسواس الخناس الذي هو من الجنة والناس، وهذا نص قوله -عز وجل-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}(٤) وهو معنى قولهم: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ}(٥) في بعض الأقوال والله -عز وجل- أعلم بالصواب.
(١) البخاري- الاعتكاف- باب ٨ - ٤/ ٢٧٨، ومسلم- السلام- باب ٩ - ٤/ ١٧١٢. (٢) سورة ق الآية ٣٧ (٣) سورة الناس الآية ٦ (٤) سورة الأنعام الآية ١١٢ (٥) سورة الأنعام الآية ١٢٨