كما امتنع عن قبول هدية ابن الجروي ومقدارها ثلاثة آلاف دينار، مع الإلحاح الشديد (١).
قلت: وهذا من تمام توكل الإمام أحمد رحمه الله على الخالق الرازق عز وجل، حيث سئل الإمام أحمد عن التوكل فقال:"قطع الاستشراف بالإياس من الخلق". فقيل له: فما الحجة فيه؟ قال:"قول إبراهيم - عليه السلام - لما وضع في المنجنيق ثم طرح في النار، اعترض له جبريل - عليه السلام - فقال: هل من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا. قال: فسل من لك إليه حاجة. فقال: أحب الأمرين إلي أحبهما إليه"(٢).
وقد وصف زهد الإمام أحمد جمع من معاصريه، من شيوخه وأقرانه وتلاميذه. فمن ذلك: قال يحيى الشامي: " ما رأيت أحدا أجمع لكل خير من أحمد، وقد رأيت سفيان بن عيينة ووكيعا وعدة من العلماء. فما رأيت مثل أحمد في: علمه، وفقهه، وزهده، وورعه "(٣).
وقال يحيى بن معين:" كان في أحمد خصال ما رأيتها في عالم قط، كان محدثا، وكان حافظا، وكان عالما، وكان ورعا، وكان زاهدا، وكان عاقلا "(٤).
ومن أجمل ما رأيت في وصف زهد الإمام أحمد قول تلميذه: سليمان بن الأشعث السجستاني - صاحب السنن -: " لقيت مائتين من مشايخ العلم، فما رأيت مثل أحمد بن حنبل، لم يكن يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا. فإذا ذكر العلم تكلم "(٥).
وقال أبو داود أيضا: "كانت مجالسة أحمد بن حنبل مجالسة
(١) الحلية (٩/ ١٧٨) ومن طريقه تاريخ دمشق (٧/ ٢٦٤) والنبلاء (١١/ ٢٠٦، و٢١٤). (٢) تاريخ دمشق (٧/ ٢٦٧، ٢٦٨) ومناقب الإمام (ص١٩٨). (٣) الحلية (٩/ ١٧٤) ومن طريقه تاريخ دمشق (٧/ ٢٤٥). (٤) تاريخ دمشق (٧/ ٢٤٣) والبداية والنهاية (١٠/ ٣٣٦). (٥) الحلية (٩/ ١٦٤) وتاريخ دمشق (٧/ ٢٥٢).