قلت: لما قرأت هذا الخبر تذكرت قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في صفة الطائفة المنصورة: «لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم (٢)». . ".
وكان الإمام أحمد بن حنبل يرفض التزلف تحت أعتاب السلطان، ويرفض عطايا الولاة بنفس أبية عزيزة، فقد قال إسحاق بن موسى الأنصاري:"دفع إلي المأمون مالا فقال: اقسمه على أصحاب الحديث فإن فيهم ضعفا. فما بقي أحد إلا أخذ، إلا أحمد بن حنبل فإنه أبى "(٣).
بل كان رحمه الله يغضب على أولاده حينما يقبلون جوائز الأمراء، فقد ذكر أحمد بن محمد التستري:" أن أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما طعم فيها، فبعث إلى صديق له، فاقترض منه دقيقا، فجهزوه بسرعة، فقال: كيف ذا؟! قالوا: تنور صالح مسجر فخبزنا فيه، فقال: ارفعوا، وأمر بسد باب بينه وبين صالح "(٤).
قال الحافظ الذهبي: لكونه أخذ جائزة المتوكل.
قلت: والأمثلة على رد الإمام أحمد جوائز الخلفاء كثيرة؛ وذلك لأنه آثر الباقية على الفانية، فقد قال صالح بن أحمد: "قلت لأبي: إن أحمد الدورقي أعطي ألف دينار، فقال: يا بني {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}(٥)(سورة طه: آية ١٣١).
(١) النبلاء (١١/ ٣٢٥). (٢) أخرجه من حديث معاوية رضي الله عنه: أحمد (٤/ ٩٣ و٩٧ و٩٩ و١٠١) والبخاري (١٣/ ٢٩٣) رقم (٧٣١٢) ومسلم (٣/ ١٥٢٤) وابن ماجه (١/ ٥). وأخرجه من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أحمد (٤/ ٢٤٤ و ٢٤٨ و ٢٥٢) والدارمي (٢/ ١٣٢) رقم (٢٤٣٧) والبخاري (٦/ ٦٣٢) و (١٣/ ٢٩٣) ومسلم (٣/ ١٥٢٣) والطبراني في المعجم الكبير (٢٠/ ٤٠٢ و٤٠٣). والحديث رواه أيضا جمع كثير من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. ولهذا عده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من الأحاديث المتواترة. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ٦٩) ت. العقل. (٣) الحلية (٩/ ١٨١) وتاريخ دمشق (٧/ ٢٦٤). (٤) النبلاء (١١/ ٢١٤). (٥) سورة طه الآية ١٣١