وهو أشهر الرِّوايتين؛ لقوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزُّمَر: ٦٥]، ولقول ابن عبَّاس:«الحدَث حَدثان؛ حدث اللسان وحدث الفرج، وحدث اللسان أشدُّ، وفيهما الوضوء»(١)، لكن في إسناده بقيَّةُ بصِيغةِ (عن)، قال في «التَّحقيق»: لا يَصِحُّ، ورواه ابن شاهين مرفوعًا (٢)، فيَدخُل في عموم قوله ﵇:«لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتَّى يتوضَّأ» متَّفق عليه (٣)، ولأنَّها طهارة عن حدث، فأبطلتها الرِّدَّة كالتَّيمُّم.
لكنَّ الآيةَ دالَّةٌ على أنَّ الرِّدَّة تحبط العمل بمجرَّدها، والأشهر عن أصحابنا: أنَّها لا تحبطه إلَّا بالموت؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [البَقَرَة: ٢١٧]، وبنوا على ذلك: صحَّة الحجِّ في الإسلام الأوَّل، وقضاء ما فاته من صلاة وزكاة وصوم على المشهور، ثمَّ الإحباط إنَّما ينصرف إلى الثَّواب دون الفعل، بدليل مُصلٍّ خلفَه وهو مسلم.
(١) قوله: (وفيهما الوضوء) سقط من (و). (٢) أما الموقوف: فأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (٢٨٤)، والدينوري في المجالسة (٨٨٥)، وابن المنذر في الأوسط (٨٠)، والبيهقي في شعب الإيمان (٦٢٩٨)، من طرق عن ابن عباس ﵄، ولا يخلو طريق من ضعف، وليس في طريق منها من رواية بقية، وإنما رواية في المرفوع كما سيأتي. وقد صح عنه ما صرح فيه بعدم النقض: أخرجه ابن المنذر في الأوسط (١٣٣)، عن مجاهد، قال: قلت لابن عباس: السرقة والخيانة والكذب والفجور والنظر إلى ما لا يحل أينقض الوضوء؟ قال: «لا، الحدث حدثان: حدث من فوق وحدث من أسفل»، وإسناده صحيح. أما المرفوع: فأخرجه الديلمي في مسند الفردوس (٢٨١٤)، ومن طريقه الجورقاني في الأباطيل (٣٣٩)، فيه بقية بن الوليد وقد عنعنه، قال الجورقاني (١/ ٥٣٠): (هذا حديث باطل، وبقية إذا تفرد بالرواية فغير محتج بروايته؛ لكثرة وهمه)، ووافقه ابن الجوزي في التحقيق (١/ ٢٠١). (٣) أخرجه البخاري (١٣٥)، ومسلم (٢٢٥)، من حديث أبي هريرة ﵁.