(وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ)؛ أيْ: يَلزَمُ بمجرَّد القول؛ لأِنَّه تبرُّعٌ يَمنَع البَيعَ والهِبةَ، فلَزِمَ بمجرَّده كالعِتْق، قال في «التَّلْخيص» وغَيره: وحُكمُه اللُّزومُ في الحال، أخْرَجَه مخرَجَ الوصيَّة أوْ لم يُخرِجْه، حَكَمَ به حاكِمٌ أوْ لَا؛ لقَولِه ﵇:«لا يُباعُ أصْلُها، ولا يُوهَبُ، ولا يُورَثُ»(١)، قال التِّرمذيُّ:(العملُ على هذا الحديث عند أهلِ العلم، وإجْماعُ الصَّحابة على ذلك)(٢)، ولأِنَّه إزالةُ ملْكٍ يَلزَمُ بالوصيَّة، فإذا نجَّزه في الحياة؛ لزم (٣) من غَيرِ حُكْمٍ كالعتق.
وذَهَبَ أبو حَنِيفةَ ﵁: أنَّه لا يَلزَمُ بمجرَّده، وللواقف الرُّجوع فيه، إلاَّ أنْ يُوصِيَ به بَعْدَ مَوته، أوْ يَحكُمَ بلُزومه حاكِمٌ (٤)، وحكاه بعضُهم عن عليٍّ وابن مَسعودٍ وابن عبَّاسٍ (٥)، واحتجَّ له: بما رواه المحامِليُّ عن عبد الله بن زيدٍ
(١) تقدم تخريجه ٦/ ٤١٧ حاشية (٦) و (٧). (٢) ينظر: سنن الترمذي ٣/ ٦٥١. (٣) في (ح): ولزم. (٤) ينظر: التجريد للقدوري ٨/ ٣٧٧١، المبسوط ١٢/ ٢٧. (٥) قال ابن حزم في المحلى ٨/ ١٤٩: (طائفة أبطلت الحبس مطلقًا، وهو قول شريح وروي عن أبي حنيفة، وطائفة قالت: «لا حبس إلا في سلاح أو كراع»، روي ذلك عن ابن مسعود وعلي وابن عباس). أثر عليٍّ ﵁: أخرجه ابن أبي شيبة (٢٠٩٢٩)، عن الشعبي، قال: قال علي: «لا حبس عن فرائض الله، إلا ما كان من سلاح أو كراع»، وحسَّن إسناده الحافظ في الدراية ٢/ ١٤٥. وأثر ابن مسعود ﵁: أخرجه ابن أبي شيبة (٢٠٩٣٠)، وابن حزم في المحلى (٨/ ١٥٠)، عن مطرف بن طريف، عن رجل، عن القاسم، قال: قال عبد الله: «لا حبس إلا في كراع أو سلاح»، وأخرجه محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (٣/ ٦٢)، ولم يذكر: عن رجل. وضعفه ابن حزم، بجهالة راويه وانقطاعه. وأثر ابن عباس ﵄: قال عنه ابن حزم في المحلى ٨/ ١٥٠: (ولا نعرفها عن ابن عباس أصلاً)، ولعل مرادهم: ما أخرجه الطحاوي في معاني الآثار (٥٨٧٨)، والعقيلي في الضعفاء (٣/ ٣٩٧)، والدارقطني (٤٠٦١)، والبيهقي في الكبرى (١١٩٠٦)، من طرق عن عبد الله بن لهيعة، عن أخيه عيسى، عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄، قال رسول الله ﷺ: «لا حبس عن فرائض الله ﷿»، قال الدارقطني: (لم يسنده غير ابن لهيعة عن أخيه، وهما ضعيفان).