(وَتُخْرَجُ الْوَاجِبَاتُ)؛ كقَضاءِ الدَّين والزَّكاة والحجِّ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ)؛ لقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النِّسَاء: ١١]، ولقَول عليٍّ:«قَضَى رسولُ الله ﷺ بالدَّين قَبْلَ الوصيَّةِ» رواهُ التِّرمذيُّ (١)، ولأِنَّ حقَّ الورثة إنَّما هو بَعْدَ أداءِ الدَّين، وقد حَكَى القُرْطبِيُّ الإجْماعَ على تقديمِ الدَّين على الوصيَّة (٢)، إلاَّ ما حُكِيَ عن أبي ثَورٍ: أنَّه قَدَّمها عَلَيهِ، حكاهُ العَبْدَرِيُّ.
والحِكمةُ في تقديمها في الآية: أنَّ الوصيَّةَ لَمَّا أشْبَهَت الميراثَ في كَونِها بلا عِوَضٍ؛ فكان في إخْراجِها مشقَّةٌ على الوارث، فقُدِّمت حَثًّا على إخْراجِها.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ (٣): ولذلك جِيءَ بكلمةِ «أوْ» الَّتي للتَّسوية؛ أيْ: فيَسْتَوِيانِ في الاِهْتِمام وعَدَمِ التَّضْيِيع (٤)، وإنْ كان مقدَّمًا عَلَيها.
وقال السُّهَيلِيُّ: لَمَّا كانت الوصيَّةُ طاعةً وخَيرًا، والدَّينُ غالِبًا لِمَنفَعَةٍ، وهو مَذْمومٌ في غالِبِ أحْواله، وقد تَعَوَّذَ منه ﵇(٥)، فَبَدَأَ بالأفْضَل (٦).
وقال ابنُ عَطِيَّةَ: الوصيَّةُ غالِبًا تَكُون لِضِعافٍ، فَقُوِّيَ جانِبُها بالتَّقديم في
(١) سبق في الجنائز ٣/ ٨٢ حاشية (١). (٢) ينظر: تفسير القرطبي ٥/ ٧٣. (٣) ينظر: الكشاف للزمخشري ١/ ٤٨٤. (٤) في (ق): التضبيع. (٥) أخرجه البخاري (٢٨٩٣)، من حديث أنس ﵁، وفيه: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال». (٦) ينظر: الفرائض وشرح آيات الوصية ص ٤٩.