لكن قال في «المغني»: (وهذه لا تُنافِي الأُولى، فإنَّه إنْ أراد بقوله: إن (١) كان جعلها لله؛ أي: نَوَى بتحويطها جَعْلَها لله، فهذا تأكيدٌ للأولى (٢) وزيادةٌ عَلَيها؛ إذْ مَنَعَه من الرُّجوع بمجرَّد التَّحويط مع النِّيَّة.
وإنْ أراد بقوله: جَعَلَها لله؛ أي: اقْتَرنَتْ بفِعْله قرائنُ دالَّةٌ على ذلك من إذْنه للنَّاس في الدَّفْن فيها، فهي عَينُ الأولى.
وإنْ أراد أنَّه وَقَفَها بقَوله؛ فيَدُلُّ بمفهومه على أنَّ الوقْفَ لا يحصل بمجرَّد التحويط والنية، وهذا لا ينافي الأولى؛ لأنَّه فيها يَضمُّ إلى فعله إذنه (٣) للنَّاس في الدَّفْن، ولم يُوجَدْ هنا، فانْتَفَتْ هذه الرِّواية للاحْتِمالات، وصار المذهبُ روايةً واحدةً، فصار بمنزلة من قدَّم إلى ضيفه طعامًا كان إذْنًا له في أكْلِه، ومَنْ مَلَأَ خابِيةً ماءً كان سبيلاً له، وكالبيع والهِبَة، وأمَّا الوقْفُ على المساكين فلم تَجْرِ به عادةٌ بغَير لَفْظٍ).