للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فأما الطريقة الجدلية]

فاعلم أن كل دليل أو علم نظري؛ لا بُدَّ وأن يُبنى على علم ضروري في جنسه، ولا بد من إسناد النظري إلى الضروري فيه؛ وإلا فلو كان النَّظري يُبنى على النظري، لتسلسل؛ إذ الخلاف يقع في الجميع، والنزاع فيها واحدٌ؛ فلا بُدَّ من أصل يقف الخصمان عنده؛ وإلا لم يستقم نظر، ولم يتم دليل.

فلو لم يسلم لنا الملحد الدهري أنَّه يدرك تفرقة ضرورية بين تحرك الجسم وسكونه، لم يُمْكِنَّا أن نبني عليه إثبات الأعراض؛ لكن لما حصل الفرق بين التَّحَرُّكِ والسُّكون ضرورةً، قلنا بعد ذلك: لا تخلو؛ إما أن يكون تحرك الجسم لنفسه، أو لأمر زائد عليه؛ فنسوقُ دليل إثباتِ العَرَض؛ فإثبات معنى زائد على الجسم والجوهر إنَّما يُعلم عن نظر وروية، ويستند إلى ضروري، وهو تحرك الجوهر وسكونه. فإذا؛ ثبت أنه لا بُدَّ من أمر ضروري يستند إليه النظري.

فإذا لم يُسلَّم لهم (١) الضروري - الذي هو المستند: لم يستقم لهم النَّظَرُ، ولا يمكنهم الجدل، فينقطع جدالهم، وتكون هذه الطريقة إفحاما (٢) لهم عن الكلام.

فنقول لهم: نراكم تقولون: «إنَّ قبح الكذب الذي فيه منفعة يُدرك بنظر


(١) يعني: المعتزلة.
(٢) ويحتمل أن تقرأ: (اقحاما).

<<  <   >  >>