قال الزركشي:«استعظم الكيا الهراسيُّ القول بالمنع هاهنا أيضاً، وقال: توجيهه عسر جِدًّا، والممكن فيه أن يقال: إنه ﵇ إذا قال عن اجتهاد، فلا يجوز أن يرد الكتاب من بعد بخلافه؛ لما فيه من تقرير الرسول ﷺ على الباطل، وإيهام المخالفة». «البحر المحيط»(٤/ ١١٨).
وقال الزركشي نقلا عن الكيا:«وقال في تعليقه: قد صح عن الشافعي أنَّه قال في رسالتيه جميعاً: إنَّ ذلك غير جائز، وعُدَّ ذلك من هفواته، وهفوات الكبار على أقدارهم، ومن عد خطؤه عظم قدره. وقد كان عبد الجبار بن أحمد كثيرا ما ينصر مذهب الشافعي في الأصول والفروع، فلما وصل إلى هذا الموضع، قال: هذا الرجل كبير، لكن الحقَّ أكبر منه، ثُمَّ نصر هو الحق.
قال إلكيا: والمتغالون في محبة الشافعي لما رأوا أنَّ هذا القول لا يليق به طلبوا له محامل: فقيل: إنما قال هذا بناءً على أصل، وهو جواز الاجتهاد للرسول؛ فإذا جاز له الاجتهاد في … بنص الكتاب وحكم، ثم أراد الرسول نسخه باجتهاده: لا يجوز له؛ لأن الاجتهاد لا يؤدي إلى بيان أمد العبادة، ولا يهدي إلى مقدار وقتها.
وهذا باطل، لأنَّ الشافعي منع من النسخ بالمتواتر، وقضية هذا الكلام تجويز نسخ القرآن للسُّنَّة التي لا توجد، وبيانه: أن ما كان بيانًا في كتاب الله بالنص كان ثبوته عنه باجتهاد الرسول؛ لأن الاجتهاد استخراج من جهة الله، وهو لا يجوز مع وجود الكتاب. فكأنه يقول: الشافعي يمنع من نسخ الكتاب لسُنَّةِ لا يتصوَّر وجودها». «البحر المحيط»(٤/ ١١٩).