خص السائمة بالذكر، عُلم أنَّه لا بُدَّ أن يكون لهذا القدر من التخصيص فائدةٌ؛ ولم تكن تلك الفائدة إلا قصر الحكم عليه؛ لأنَّ دلالته خاصة، ودلالة ذاك عامة، فقضى بالخاص على العام، وهو قوله:«في النَّعم الزَّكاةُ»».
وعلى هذا؛ إذا تعارض قياسان: أحدهما كُلِّيٌّ والآخرُ جزئي؛ فإنَّما يُقدَّم الجزئي؛ لأنَّه أخص، وهذا يأتي في كتاب الترجيحات إن شاء الله (١).
فصل (٢) هل يجوز تخصيص العموم بفعل الراوي ورأيه ومذهبه أم لا؟
* فالذي عليه المعظم من المحققين أنه لا يجوز ذلك، وهذا هو مذهب الشافعي؛ قال الشافعي:«الاعتبار بما رواه، لا بما رآه». ونُقل أنَّه قال:«رواية الراوي أولى من مذهبه ورأيه»، وفعله لا عبرة به مع نقله.
* ونقل عن أصحاب أبي حنيفة أنهم قالوا:«يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوي».
وهذا غير صحيح:
لأن رأيه ليس بأولى من رأي غيره.
ولأنَّه ممَّن يُقَرُّ على الخطأ ويجوز عليه الزلل، فكيف يترك القول المقطوع به بقول موهوم صحتُه؟! قال الشافعي: «كيف أترك الحديث لآراء قوم لو لقيتهم
(١) هذا الكتاب غير موجود في النسخة التي حققناها. (٢) انظر: «البرهان» (١/ ٢٩٤)، «المستصفى» (٢/ ٧٨٠)، «الوصول» (١/ ٢٨٨).