• بيان مذهب المعتزلة في جعل العقل حاكمًا على المكلفين
قال الزركشي: «قال إلكيا الطبري: قالت المعتزلة: "العقل يوجب"، ولا يعنون هاهنا إيجاب العلة معلولها، أو أن العقل يأمر؛ فإن الاقتضاء منه غير معقول، وهو عرض والأمر يستدعي الرتبة؛ فإذا: المعني به أن العقل يعلم وجوب بعض الأفعال عليه. والمعنى بوجوبه علمه باقتران ضرر بتركه؛ وإليه يرجع معنى الوجوب والحسن والقبح. وهذا منهم ادعاء العلم ضرورةً على وجه يشترك العقلاء فيه.
ثُمَّ قال: وقد مال إلى ما ذكروه طوائف من القائلين بقدم العالم من حيث إن الذي يتعلق به نظام المعيشة وعمارة الدُّنيا هو أقرب إلى الاعتدال، وحسن النظام من الذي يتضمن خراب الدُّنيا، وهذا المذهب لا شك في بطلانه قطعا.
وقال في موضع آخر: العقل يستقل بوجوب اتباع الرسل من حيث إن الاتباع تمحض نفعاً لا يشوبه ضرر، والامتناع من الاتباع محض ضرر. ولا يتأتى ذلك إلا بعد أن يعلم أنَّ الله تعالى أظهر المعجزة على يده ليصدقه. وهذا العلم يحصل عند المعتزلة من جهة أنَّ الله لا يفعل القبيح؛ وعند الأشعرية من جهة أنه لو لم يقدر ذلك لم تكن معرفة الصدق من جائزات العقل، وذلك محال.
والذي يعلم بالشرع أنه مصلحة ونفع محض على ثلاثة أضرب: حكم، وما يتعلق الحكم به من عِلَّةٍ وتسبب، والأدلة على علة الحكم». «البحر المحيط»(١/ ١٣٤).