للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَصْلٌ معقود في أفعال رسول الله عليه إذا اختلفت؛ هل يعارض بعضها بعضًا أو ينسخ بعضها بعضًا؟ (١)

اعلم أنَّ رسول الله عليه إذا فعل فعلين مختلفين لم ينف أحدهما الآخر: فيكونان جائزين.

مثاله: ما روي عن رسول الله عليه في صلاة الخوف أنَّه صلَّى في موضع على وجه، وصلى في وقت آخر على وجه.

قال (٢): الشافعي أخذ بأحدهما، وأبو حنيفة أخذ بالآخر، فكان كلُّ واحدةٍ من الصلاتين صحيحتين؛ إذ لا يتصور التعارض بينهما حقيقةً؛ لأنه لا يجتمع الفعلان في وقت واحد، فلا يُقضى بالتعارض. هذا من حيث التعارض.

وأما النسخ: فلا يُقضى أيضًا بكون الفعل الثاني ناسخا للأول؛ لأنَّ النَّسخَ إنَّما يكون للدائم المستمر.

وفي التعارض أيضًا: مثل ما روي أنَّه صلى الله عليه سجد للسَّهو قبل السَّلام (٣)، ورُوي أيضًا أنَّه سجد للسهو بعد السلام (٤)، فالشافعي قال: «السجود قبل السلام»، وأبو حنيفة يقول: «بعد السَّلام»؛ والجميع جائز (٥).


(١) انظر: «المعتمد» (١/ ٣٨٨). «البرهان» (١/ ٣٢٧)، «المنخول» (ص ٢٢٧).
(٢) يعني إلكيا.
(٣) ورد هذا في أحاديث، منها ما أخرجه مسلم (٥٧١) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٤) ورد هذا في أحاديث، منها ما أخرجه مسلم (٥٧٢) من حديث ابن مسعود.
(٥) ذكر الزركشي مضمون هذا الفصل نقلا عن إلكيا، فقال ما نصه: «وأطلق إلكيا عدم تصور تعارض الفعلين، ثم استثنى من ذلك ما إذا علم بدلالة أنه أريد به إدامته في المستقبل؛ فإنه يكون ما بعده ناسخا له. قال: وعلى مثله بنى الشافعي مذهبه في سجود السهو قبل السلام وبعده. فقال: وإن=

<<  <   >  >>