مثال ذلك: ما رُوي أنَّ عمر اجتاز على طلحة الصراف (١) وعنده مالك بن أوس بن الحدثان - وقد أعطاه ورقًا ليأخذ منه ذهبًا ـ، فقال له طلحة: إنَّ الخازنة غائبة، فلو غبت ساعةً وجئتَ حتّى تجيء الخازنة الغائبة، فسمعه عمر فعلاه بالدرة فقال: لا تفارقه حتى يعطيك حقك أو يرد عليك ورقك، سمعت رسول الله صلى الله عليه:«الذهب بالذهب رِبًا إِلَّا هاء وهاء، والفضة بالفضة ربًا إلَّا هاء هاء … » وساق الحديث (٢).
قال الشافعي:«لما كان قوله صلى الله عليه «يدا بيد» يحتمل الغيبية، ويحتمل القبض في المجلس، وحَمَلَهُ عمر على القبض: رجعنا إلى تأويله لذلك اللفظ، فرجَّحناه على تأويل غيره».
قال الشافعي:«وكيف لا يكون كذلك ولا نتبع تأويلهم، وقد شهدوا وغبنا، وسمعوا وأخبرنا، واطلعوا على القرائن وما اطلعنا». وقد يشاهد المعاين قرائن ما يغيب عنا، فيكون ما يراه من الوجوه أولى؛ لأنَّه أعرفُ بمخارج الكلام ومقصودِ الرسول صلى الله عليه، فكان المصير إلى تأويلهم أولى من هذا، بخلاف مخالفة الحديث بمجرد الرأي والمذهب ومجرّد المعتقد من غير أن يكون راجعا إلى احتمال اللفظ أو غيره؛ لأنَّ ذلك ترك للحديث من غير دليل ولا احتمال وجه له، وذلك باطل؛ فإنَّ الرَّاوي محجوج بالحديث في هذه الحالة كغيره، فكيف يترك الحديث بقوله؟! وهذا واضح لا غبار عليه.
(١) كذا في المخطوط، والمقصود طلحة بن عبيد الله، أحد العشرة المبشرين بالجنة. (٢) أخرج نحوه البخاري (٢١٧٤)، وعبد الرزاق (١٤٥٤١)، وأحمد (٢٣٨)، البيهقي في «السنن الكبرى» (١٠٤٧٤) وغيرهم، ولفظ البيهقي للقصة أتم.