- ولم يكن السَّائلُ ممَّن يمكنه الاستدلال على المسكوت بالمنطوق.
- ولم يكن المسكوت عنه مما يُفهم من المنطوق به.
فنقول: إنَّ السكوت عن الحكم مع هذه الشروط دليل على عدم ثبوته.
مثاله: ما رُوي أنَّ أعرابيا رآه النَّبيُّ صلى الله عليه وعليه جُبَّةُ صوفٍ مضمَّخةٌ بالخلوق، فقال له صلى الله عليه:«انزع الجُبَّة واغسل الصفرة، واصنع في عُمرتك ما كنت صانعا في حَجَّتك»(١)، [٩١/ و] وسكت عن ذكر الفدية ولم يبينها، والوقت وقت الحاجة، والأعرابي جاهل بالاستدلال وبالحكم أيضا؛ فإنَّه إذا كان جاهلا بتحريم اللبس، فلأن يجهل وجوب الفدية أولى، ومع هذا لم يبينه؛ فدلَّ أنه لا يجب.
ومن شرائط كون الشكوتِ حُجَّةً: أن يكون الحُكم المسكوت عنه مما لو قدر ثبوته، لتشوقت الطباع إلى نقله، وتسارع إلى ذكره؛ لغرابته وكونه بِدْعاً عجيبًا، وجميع هذه الشرائط كانت موجودةً في حقّ الأعرابي.
ومن هذا القبيل: ما روي أن أعرابيا جاء إلى النبي ﷺ عليه فقال: «هلكتُ وأهلكتُ، فقال له صلى الله عليه: ماذا صنعت؟» فقال: «واقعتُ أهلي في نهار شهر رمضان»، فقال له صلى الله عليه:«أعتق رقبة»(٢)، وسكت عن إيجابها عن امرأته، مع أنَّ الأعرابي لم يُحسن الاستدلال بأنَّها لا تجب عليها، والوقت وقت الحاجة، فدل أنَّ الكفارة لا تجب عليها.
(١) أخرجه البخاري (١٥٣٦، ١٧٨٩)، ومسلم (١١٨٠) من حديث يعلى بن أمية ﵁. (٢) تقدم تخريجه. انظر: (ص ١٣٨).