أما ترين إلى مجزّز ابن عمرو (١) المدلجيّ، وقد نظر إلى أسامة وزيد وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إنَّ هذه الأقدام بعضُها من بعض» (٢)، فاستبشر بذلك وبَشَّر، وهو لا يُسَرُّ بغير حقّ؛ فدل ذلك على جواز القيافة.
قيل له: إنما يكون حُجَّةً إذا اتحد محمله فلم يحتمل إلا ما ذكرتم؛ وأما إذا تعدد المحمل، فلا يكون حُجَّةً، وههنا تعدد محمله:
- لأنه يحتمل أن يكون فرحةً بانقطاع مطاعن الكفار والمنافقين عن سب أسامة وزيد؛ فإنَّهم كانوا قد طعنوا في أسامة، فسُرَّ رسول الله ﷺ عليه بالرد عليهم.
- ويحتمل أن يكون فرحه لما ذكرتم، فلا يكون حُجَّةً فيه؛ يحقق ذلك أنَّ القيافة إنَّما تكون حُجَّةً ويثبت بها النسب إذا لم يكن هناك نسب ثابت؛ وأما إذا كان النسب ثابتًا، فلا تكون حُجَّةً (٣).
(١) قوله: (مجزز ابن عمرو) في المخطوط: (عمرو بن مجزز)، وهو خطأ؛ لأن المقصود في الحديث هو مجزز المدلجي، وكان معروفا بالقيافة، وليس له ابن اسمه عمرو، فضلا عن أن يكون معروفا بالقيافة. ومجزّز هو: بن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عُثْوَارة بن عمرو بن مدلج الكناني المدلجي. فعمرو أحد أجداده. انظر: «أسد الغابة» (٣/ ٥٨٤). (٢) أخرجه البخاري (٦٧٧١)، ومسلم (١٤٥٩) من حديث عائشة ﵂. (٣) كذا في المخطوط، وبالمقارنة مع ما نقله الزركشي يظهر أن الكلام لم يتم، حيث أورد الكيا جواب الشافعي عن الاعتراض، فقال ما نصه: «فقال مجيبا - أي: الشافعي -: لو لم يكن للقيافة أصل لم يستبشر، فإن ذلك يوهم التلبيس، وقد كان شديد النكير على الكهان والمنجمين، ومن لا يستند قولهم إلى أصل شرعي، ولو لم تكن القيافة معتبرة، لكانت من هذا القبيل». «البحر المحيط» (٤/ ٢١٠).