إنَّما إذا كان ثابتاً متواترا مقطوعاً به، وكان بعد هذا محتملا لأمور، متردّدًا بين أشياء؛ هل يُخص به أم لا؟
* صار صائرون إلى أنَّه يُخَصُّ به العموم، وإلى هذا ذهب الشافعي والفقهاء بأسرهم.
* وصار آخرون إلى أنَّه لا يُخَصُّ به العموم، وإليه ذهب القاضي.
اعلم بأن الذي يقتضيه نظر الأصول أن يكون الحقُّ فيما قاله القاضي (١)، والكلام في هذه المسألة يأتي مستوفى في أفعال رسول الله صلى الله عليه (٢)، إلَّا أنا نذكر هاهنا شيئًا، فنقول:
إنَّ العموم بصيغه يدلُّ على الاستغراق ويقتضيه، وفي القول دعاء للغير إلى اعتقاد ذلك، وأما الفعل فليس له صيغة تدلُّ على شيء، فيحتمل أن يكون ذلك الفعل الذي فعله من خصائصه؛ لأنه صلى الله عليه اختص بأشياء لا خفاء بها. وينضم إلى هذا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه قد ينسى وقد يُخطئ وإن كان لا يقر عليه، ومن النَّاسِ مَنْ يجوز الصغائر - على الأنبياء - والغلط والنسيان، فيحتمل الفعل أحد هذه الوجوه؛ فإذا تعددت وجوه صارفة (٣): لم يجز أن يُقصر على وجه واحد، ولا يكون بيانًا لشيء، ولم يظهر من جهته صلى الله عليه الدُّعاء إلى فعله الذي فعله؛ فإن ظهر ذلك بقوله: كانت الحُجَّةُ في قوله، كما قال صلى
(١) نقل الزركشي عن إلكيا اختيارا في هذه المسألة قد يخالف ما هو مثبت هنا. قارن مع: «البحر المحيط» (٣/ ٣٨٨). (٢) لم يتبين لنا المسألة المحال إليها بالتحديد إن كانت مما هي موجودة في هذه التعليقة. (٣) ويحتمل أن تقرأ: (مصارفة) أو: (مصادقة) أو (صادقة)، ولعل المثبت أقرب.