وقال قوم:«إِنَّ المطلق يُحمل على المقيد من غير دليل ولا قياس»، وهذا جهل؛ لأن المطلق إذا كان في واقعة، والمقيد في واقعة أخرى؛ لا يقتضي ذلك على مجرده حمل أحدهما على الآخر - لأنَّ كُلَّ واحدٍ منهما مستقل في صفته (١) -، وإنما (٢) إذا كان مع المقيد دليل أقوى وأرجح مما في المطلق، وأدلّ على العمل به من دلالة دليل الإطلاق على الاستغراق.
أما الذين قالوا:«يجوز حمل المطلق على المقيد من غير دليل»، فقالوا ذلك من وجهين:
أحدهما: ظاهر ما وجدوه في كتاب الله من حمل المطلق على المقيد، مثل قوله تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ (٣). قالوا: قيد المعطوف بما قيد المعطوف عليه حتى صار المراد بقوله (٤): «والذاكرات الله كثيرا».
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ (٥)، تقديره:«ونقص من الأموال، ونقص من الأنفس، ونقص من الثَّمرات»، فلما كان كلُّ مطلق من هذا مقيدًا بما تقدم من مقيد، دلنا ذلك أنه يُحمل المطلق على المقيد من غير دليل.
(١) كذا في المخطوط، ولعل الأنسب: (نفسه). (٢) يُحمل المطلق على المقيد. (٣) الأحزاب: ٣٥. (٤) كذا في المخطوط، والأليق بالسياق: (كقوله). (٥) البقرة: ١٥٥.