ويكون الجد: الحقّ، كقولك: جِد في الجِدِّ ودع الهزلَ. قال الشاعر:
(هزلتْ وجدَّ القولُ فاحتجبتْ ... فبقيت بين الجِدِّ والهزلِ)(٥٧)
ومن ذلك قولهم في القنوت:(ونخشى عذابَكَ إنَّ عذابك الجدَّ بالكفارِ مُلْحِقٌ)(٥٨) . معناه: إنّ عذابك الحقّ. ومنه قولهم: هو عالم جِداًّ، بكسر الجيم، معناه: هو عالم حقّاً حقّاً. والعامة تُخطىء فتفتح الجيم، وأنشد الفراء:
(إنَّ الذي بيني وبينَ بني أبي ... وبينَ بني عَمِّي لمختلفٌ جِدّاً)(٥٩)
والوجه الثالث: قول الناس: ولا ينفع ذا الجِدّ منك الجِدّ بكسر الجيم، قال أبو بكر: قال أبو عبيدة (٦٠) : هو خطأ، لأن الجد: الانكماش، والله عز وجل قد دعا الناس وأمرهم بالانكماش في طاعته فقال:{قد أفلح المؤمنونَ الذينَ هم في صلاتِهم خاشعونَ}(٦١) وقال: {يا أيها الرسلُ كلوا من الطيباتِ واعملوا صالحاً}(٦٢) ، وقال:{إنَ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ إنّا لا نضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عَملاً}(٦٣) . قال أبو عبيد: ولا يجوز أن يأمرهم بالانكماش ويدعوهم إليه ثم يقول: لا ينفعهم انكماش. (١١٧)
قال أبو بكر: ولا أظن الذين رووا هذا بكسر الجيم ذهبوا إلى المعنى الذي أنكره أبو عبيد ولكنهم أرادوا: ولا ينفع ذا الانكماش / والحرص على الدنيا (١١ / أ) انكماشه وحرصه عليها، إنما ينفعه العمل للآخرة.
(٥٦) الحماسة البصرة ٢ / ١٠٣ بلا عزو. (٥٧) ك: واحتجبت. ولم أقف على البيت. (٥٨) النهاية ٤ / ٢٣٨. (٥٩) للمقنع الكندي في شرح ديوان الحماسة (م) ١١٧٩. وينظر الأضداد: ٢٠٧. (٦٠) غريب الحديث ١ / ٢٥٨. (٦١) المؤمنون ٢. (٦٢) المؤمنون ٥١. (٦٣) الكهف ٣٠.