وقوله سبحانه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... الآية: هذه الآية أمْرٌ مِنَ اللَّه تعالى لنبيِّه- عليه السلام- بالتبليغِ على الاستيفاء والكمالِ لأنه قد كان بلّغ صلّى الله عليه وسلّم، وإنما أُمِرَ في هذه الآيةِ بِأَلاَّ يتوقَّفَ عن شَيْء مخافةَ أحَدٍ وذلك أنَّ رسالته- عليه السلام- تضمَّنت الطَّعْنَ على أنواع الكَفَرة، وبيان فساد حالهم، فكان يلقى منهم صلّى الله عليه وسلّم عَنَتاً، وربَّما خافهم أحياناً قبل نزول هذه الآية، فقال الله تعالى له: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، أيْ:
كاملاً، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، قالتْ عائشةُ أمُّ المؤمنين (رضي اللَّه عنها) : «مَنْ زَعَمَ أنَّ محمداً كَتَمَ شيئاً مِنَ الوَحْيِ، فقد أَعْظَم الفريةَ، والله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... الآية» ، وقال عبدُ اللَّهِ بنُ شَقِيقٍ: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتعقبه أصحابُهُ يحْرُسُونه، فلما نزلَتْ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، خرَجَ، فقَالَ:«يَا أَيُّها النَّاسُ، الحقوا بِمَلاَحِقِكُمْ فَإنَّ اللَّهَ قَدْ عَصَمَنِي»«٣» ، قلْتُ: وخرَّج الترمذيُّ هذا الحديثَ أيضاً من طريق عائشة «٤» ، وكما وجَبَ عليه التبليغُ- عليه السلام-، وجب على علماءِ أمته، وقد قال- عليه السلام-: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَة»«٥» ، وعن زيدِ بنِ ثابتٍ (رضي اللَّه عنه) قَالَ: سَمِعْتُ
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٦٤٦) برقم (١٢٢٧١) ، وابن عطية في «تفسيره» (٢/ ٢١٧) . (٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٧٥) . (٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٦٤٧) رقم (١٢٢٧٧) عن عبد الله بن شقيق. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٥٣٠) ، وزاد نسبته إلى ابن مردويه. (٤) أخرجه الترمذي (٥/ ٢٥١) كتاب «التفسير» ، باب سورة المائدة رقم (٣٠٤٦) ، والحاكم (٢/ ٣١٣) ، والطبري (٤/ ٦٤٧) رقم (١٢٢٧٩) من طريق سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة به. وقال الترمذي: هذا حديث غريب وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحرس، ولم يذكروا فيه عائشة. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٥٢٩) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وأبي نعيم، والبيهقي كلاهما في «الدلائل» . (٥) أخرجه البخاري (٦/ ٥٧٢) كتاب «أحاديث الأنبياء» ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث (٣٤٦١) ، -[.....]