وقوله سبحانه: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ: معناه: فبرحمةٍ، قال القُشَيْريُّ في «التحبير» : واعلَمْ أنَّ اللَّه سبحانه يحبُّ من عباده مَنْ يرحم خَلْقه، ولا يرحم العبد إلاَّ إذا رحمه اللَّه سبحانَهُ، قال اللَّه تعالى لنبيِّه- عليه السلام-: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ.
انتهى.
قال ع «٢» : ومعنى هذه الآيةِ التقريعُ لكلِّ مَنْ أخلَّ يومَ أُحُدٍ بمَرْكزه، أي: كانوا يستحقُّون الملام منْكَ، ولكنْ برحمةٍ منه سُبْحَانه/ لِنْتَ لهم، وجَعَلَكَ على خُلُقٍ عظيمٍ، وبعَثَكَ لتتميمِ محاسنِ الأخلاق، ولو كُنْتَ فظًّا غليظَ القَلْب، لانفضوا مِنْ حولك، وتفرَّقوا عَنْكَ، والفَظُّ: الجافي في منطقه ومقاطعه، وفي صفته صلّى الله عليه وسلّم في الكُتُب المُنزَّلة:«لَيْسَ بِفَظٍّ ولا غَلِيظٍ وَلاَ صَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ»«٣» ، والفَظَاظة: الجَفْوة في المعاشرة قولاً وفعلاً، وغِلَظُ القَلْب: عبارةٌ عن تجهُّمِ الوجْهِ، وقلَّةِ الانفعالِ في الرغَائِبِ، وقلَّةِ الإشفاقِ والرَّحْمةِ، والانفضاضُ: افتراق الجموع.
وقوله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ... الآية: أمر سبحانه نبيَّه- عليه السلام- بهذه الأوامر التي هِيَ بتدريجٍ بليغٍ، فأمره أنْ يعفو عَنْهم فيما له عليهم من حقّ، ثمّ
- والنسائي (٦/ ٣٦- ٣٧) كتاب «الجهاد» ، باب مسألة الشهادة، وابن ماجة (٢/ ٩٣٥) كتاب «الجهاد» ، باب القتال في سبيل الله سبحانه وتعالى، حديث (٢٧٩٧) ، والدارمي (٢/ ٢٠٥) كتاب «الجهاد» ، باب فيمن سأل الله الشهادة، وابن حبان (٣١٩٢) ، والبيهقي (٩/ ١٦٩- ١٧٠) كتاب «السير» ، باب تمني الشهادة ومسألتها، والطبراني في «الكبير» (٦/ ٧٢) رقم (٥٥٥٠) كلهم من طريق عبد الرّحمن بن شريح عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده مرفوعا. وقال الترمذي: حديث حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إِلا من حديث عبد الرّحمن بن شريح. (١) أخرجه مسلم (٣/ ١٥١٧) ، كتاب «الإمارة» ، باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى، حديث (١٥٦/ ١٩٠٨) من حديث أنس بن مالك. (٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٥٣٣) . (٣) تقدم.