الْكِتابُ اسم جنس يراد به كُتُب النَّاس التي أحصتها الحَفَظة لواحدٍ واحدٍ، ويحتمل أن يكون الموضوع كتاباً واحداً حاضراً، وباقي الآية بيِّن.
وقوله سبحانه: إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ قالت فرقة: إبليسُ لم يكُنْ من الملائكَةِ، بل هو من الجِنِّ، وهم الشياطينُ المخلوقون من مَارِجٍ من نارٍ، وجميعُ الملائكة إنما خلقوا من نورٍ، واختلَفَتْ هذه الفرقةُ، فقال بعضهم: إِبليس من الجنِّ، وهو أولهم وبَدْأَتُهم، كآدمَ من الإِنس، وقالت فرقة: بل كان إِبليس وقبيلُهْ جِنًّا، لكن جميع الشياطين اليَوْمَ من ذريته، فهو كُنوح في الإنس، واحتجُّوا بهذه الآية.
وقوله سبحانه: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... الآية: الضمير في أَشْهَدْتُهُمْ عائدٌ على الكُفَّار، وعلى النَّاس بالجملة/ فتتضمَّن الآية الرَّدَّ على طوائف من المنجِّمِين وأهْل الطبائعِ والمتحكِّمين من الأطبَّاء، وسواهم مِنْ كل من يتخرَّص في هذه الأشياء، وقيل: عائدٌ على ذرية إِبليس، فالآية على هذا تتضمَّن تحقيرَهُم، والقولُ الأول أعظم فائدةً، وأقول: إنَّ الغرض أولاً بالآية هُمْ إِبليس وذريته، وبهذا الوجْه يتَّجه الردُّ على الطوائف المذكورة، وعلى الكُهَّان والعربِ المصدِّقين لهم، والمعظِّمين للجنِّ، حين يقولون: أعُوذُ بِعَزِيز هذا الوَادِي، إِذ الجميع من هذه الفِرَقِ متعلِّقون بإِبليس وذريته، وهم أضلُّ الجميع، فهم المرادُ الأول ب الْمُضِلِّينَ، وتندرج هذه الطوائفُ في معناهم، وقرأ الجمهور «١» : «ومَا كُنْتُ» ، وقرأ أبو جعفر «٢» والجحْدَرِيُّ والحسن، بخلافٍ «وَمَا كُنْت» ، «والعَضُد» : استعارة للمعين والمؤازر، وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ أي: على جهة
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٥٢٣) ، و «البحر المحيط» (٦/ ١٣٠) ، و «الدر المصون» (٤/ ٤٦٤) . (٢) ينظر: مصادر القراءة السابقة.