قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ: المعنى: فقال الكلماتِ، فتابَ اللَّه علَيْه عنْد ذلك، وقرأ ابن كثير «٣»«آدَمَ» بالنصب «مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ» بالرفع، واختلف المتأوِّلون في الكلماتِ، فقال الحسنُ بن أبي الحسن: هي قوله تعالى: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ... «٤» الآية [الأعراف: ٢٣] ، وقالت طائفة: إِنَّ آدم رأى مكتوباً على ساق العرش: محمَّدٌ رسُولُ اللَّهِ، فتشفَّع به، فهي الكلماتُ «٥» ، وسئل بعض سَلَفِ المسلمين عمَّا ينبغي أن يقوله المُذْنِبُ، فقال: يقول ما قاله أبواه: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف: ٢٣] وما قاله موسى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص: ١٦] وما قال يونس: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ٨٧] وتَابَ عَلَيْهِ: معناه: راجعٌ به، والتوبةُ، من اللَّه تعالى الرجوعُ على عبده بالرحمةِ والتوفيقِ، والتوبةُ من العبد الرجوعُ عن المعصيةِ، والندمُ على الذنب، مع تركه فيما يستأنف.
ت: يعني: مع العزم على تركه فيما يستقبل، وإنما خص اللَّه تعالى آدم بالذكْرِ في التلقِّي، والتوبة، وحواءُ مشارِكَةٌ له في ذلك بإجماع لأنه المخاطَبُ في أول القصَّة، فكملت القصة بذكُره وحْدَه وأيضاً: فَلأَنَّ المرأة حُرْمَةٌ ومستورةٌ، فأراد اللَّه تعالَى السِّتْر لها ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ [طه: ١٢١] وبنية التَّوَّاب للمبالغة والتكثير، وفي قوله تعالى: هُوَ التَّوَّابُ تأكيدٌ فائدتُهُ أنَّ التوبة على العبد إنما هي
(١) «ميسان» : كورة واسعة كثيرة القرى والنخل، بين «البصرة» و «واسط» قصبتها «ميسان» . ينظر: «مراصد الاطلاع» (٣/ ١٣٤٣) . (٢) «الأبلّة» : بلدة على شاطىء دجلة «البصرة» العظمى، في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة «البصرة» . ينظر: «مراصد الاطلاع» (١/ ١٨) . (٣) عبد الله بن كثير الداري المكي، أبو معبد: أحد القرّاء السبعة. كان قاضي الجماعة ب «مكة» . وكانت حرفته العطارة. ويسمون العطار «داريّا» . فعرف ب «الداري» . وهو فارسي الأصل، ولد سنة (٤٥ هـ.) ب «مكة» وتوفي سنة (١٢٠ هـ.) بها أيضا. ينظر: «وفيات الأعيان» (١: ٢٥٠) ، «الأعلام» (٤/ ١١٥) . (٤) أخرجه الطبري (١/ ٢٨١) برقم (٧٧٨) ، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١١٨) ، وعزاه لعبد بن حميد، وذكره ابن كثير (١/ ٨١) . (٥) ينظر: القرطبي (١/ ٢٧٦) .