وقوله تعالى: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ: المعنى: قال هو: أَعلَمُ أنَّ اللَّه على كلِّ شيء قديرٌ، وهذا عنْدي لَيْسَ بإِقرار بما كان قَبْلُ يُنْكِرُهُ كما زعم الطبريُّ «١» ، بل هو قولٌ بَعَثَهُ الاعتبارُ كما يقول الإِنسان المؤمن، إِذا رأى شيئاً غريباً مِنْ قدرةِ اللَّهِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، ونحْو هذا.
وأما قراءة حمزةَ والكسائي «٢» : «قال اعلم» . موصولةَ الألفِ، ساكنةَ الميمِ، فتحتمل وجهيْن:
أحدهما: قال المَلَكُ له: اعلم، وقد قرأ ابن مسعود، والأعمشُ «٣» : «قِيلَ اعلم» .
والوجه الثاني: أنْ يُنَزِّلَ نفسه منزلةَ المُخَاطَبِ الأجنبيِّ المُنْفَصِلِ، أي: قال لنفسه:
قوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى ... الآية: قال جمهور العلماء: إِن إبراهيم- عليه السلام- لم يكُنْ شَاكًّا في إِحياء اللَّه الموتى قطُّ، وإنما طلب المعايَنَة، وأما قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم:«نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ»«٤» فمعناه: أنْ لو كانَ شَكَّ، لكنَّا نحْنُ أَحَقُّ به، ونحن لا نشكّ، فإبراهيم- عليه
(١) ذكره الطبري (٣/ ٤٧) . (٢) ينظر: «السبعة» (١٨٩) ، و «الحجة» (٢/ ٣٨٣) ، و «حجة القراءات» (١٤٤) ، و «معاني القراءات» (١/ ٢٢٣) ، و «شرح شعلة» (٢٩٦) ، و «العنوان» (٧٥) ، و «شرح الطيبة» (٤/ ١١٨) ، و «إتحاف» (١/ ٤٤٩) . (٣) قراءة ابن مسعود ذكرها ابن زنجلة في «حجة القراءات» (ص ١٤٤) وابن خالويه في «مختصر الشواذ» (ص ٢٣) ، والزمخشري في «الكشاف» (١/ ٣٠٨) ، وقراءتهما معا في «المحرر الوجيز» (١/ ٣٥١) ، و «البحر المحيط» (٢/ ٣٠٨) ، وقراءة الأعمش وحده في «الدر المصون» (١/ ٦٢٨) . (٤) أخرجه البخاري (٦/ ٤٧٣) ، كتاب «الأنبياء» ، باب قوله: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ، حديث (٣٣٧٢) ، و (٦/ ٤٨١) باب قول الله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ، حديث (٣٣٨٧) ، و (٨/ ٤٩) ، كتاب «التفسير» ، باب: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ، حديث (٤٥٣٧) ، وباب تفسير سورة يوسف، حديث (٤٦٩٤) ، و (١٢/ ٣٩٧) ، كتاب «التعبير» ، باب رؤيا أهل السجون، حديث (٦٩٩٢) ، ومسلم (١/ ١٣٣) ، كتاب «الإيمان» ، باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة، حديث (٢٣٨/ ١٥١) ، وابن ماجة (٢/ ١٣٣٥) ، كتاب «الفتن» ، باب الصبر على البلاء، حديث (٤٠٢٦) ، -