فقال ابنُ جُبَيْر: هو شُحُّ المرأة بالنفقة مِنْ زوجها، وبقَسْمه لها أيامَها «١» .
وقال ابن زَيْد: الشحُّ هنا منه وَمِنْها قال ع «٢» : وهذا حسنٌ.
والشُّحُّ: الضبط على المعتَقَدَاتِ، وفي الهمم، والأموالِ، ونحو ذلك، فما أفرط منه، ففيه بعض المذمَّة، وهو الذي قال تعالى فيه: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ [الحشر: ٩] ، وما صار إلى حيِّزِ مَنْعِ الحقوقِ الشرعيَّة، أو الَّتي تقتضِيَها المروءةُ، فهو البُخْل، وهي رذيلةٌ، لكنها قد تكُونُ في المؤمِنِ ومنه الحديثُ:«قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَكُونُ المُؤْمِنُ بَخِيلاً؟
قَالَ: نَعَمْ» ، وأما الشُّحُّ، ففي كلِّ أحد، وينبغي ألاَّ يفرط إلاَّ على الدِّين ويدلُّك على أنَّ الشُّحَّ في كلِّ أحد قولُهُ تعالى: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ، وقوله: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ [الحشر: ٩] ، فقد أثبَتَ أنَّ لكل نفسٍ شُحًّا، وقول النبيِّ- عليه السلام-: «وَأَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ»«٣» ، وهذا لم يُرِدْ به واحداً بعينه، وليس يجمُلُ أنْ يقال هنا:
أنْ تَصَدَّقَ، وَأَنتَ صحيحٌ بخيلٌ.
وقوله تعالى: وَإِنْ تُحْسِنُوا: ندْبٌ إلى الإحسان في تحسين العِشْرة، والصَّبْرِ على خُلُقِ الزوجة، وَتَتَّقُوا: معناه: تتقوا اللَّه في وصيَّته بهنَّ إذ هنّ عوان عندكم.
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٣١٠) برقم (١٠٦٢٤) ، وذكره ابن عطية (٢/ ١٢٠) . (٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ١٢٠) . (٣) أخرجه البخاري (٣/ ٣٣٤) في الزكاة: باب فضل صدقة الشحيح (١٤١٩) ، و (٥/ ٤٣٩- ٥٤٠) في الوصايا: باب الصدقة عند الموت (٢٧٤٨) ، ومسلم (٢/ ٧١٦) في الزكاة: باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح (٩٢- ٩٣/ ١٠٣٢) ، وأبو داود (٢/ ١٢٦) في الوصايا: باب ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية (٢٨٦٥) ، والنسائي (٥/ ٦٨) في الزكاة: باب أي الصدقة أفضل، و (٦/ ٢٣٧) في الوصايا: باب الكراهية في تأخير الوصية، وابن ماجة (٢/ ٩٠٣) في الوصايا: باب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير عند الموت (٢٧٠٦) ، والبخاري في «الأدب المفرد» برقم (٧٨٦) ، وأحمد (٢/ ٢٣١، ٤١٥، ٤٤٧) ، وابن خزيمة (٤/ ١٠٣) ، برقم (٢٤٥٤) ، والبيهقي (٤/ ١٩٠) ، والبغوي (٣/ ٤٢٣) برقم (١٦٦٥) من طريق عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ ... فذكره.