إنَّك عامل خيراً أو شراً، وأنتَ لا محالةَ ملاقِيه، أي: فكنْ على حَذَرٍ من هذهِ الحالِ، واعملْ صالحاً تَجِدْه، وأما الضمير في فَمُلاقِيهِ فقال الجمهور: هو عائدٌ على الربّ تعالى، وقال بعضُهم: هو عائدٌ على الكَدْحِ ت: وهو ظاهرُ الآيةِ، والمعْنَى ملاقٍ جزاءَه، والحسابُ اليسيرُ: هو العَرْضُ ومن نُوقِشَ الحسابَ هَلَكَ كذا في الحديث الصحيح، وعن عائشةَ: هو أن يعرفَ ذنوبَه ثم يُتَجَاوَزَ عنْه، ونحوُه في الصحيح عن ابن عمر، انتهى، وفي الحديث/ عن عائشةَ قالتْ: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ في بَعْضِ صَلاَتِهِ: «اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَاباً يَسِيراً، فَلَمَّا انصرف قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْحِسَابُ اليَسِيرُ؟ قال: أَنْ يَنْظُرَ في كِتَابِهِ وَيَتَجَاوَزَ عَنْهُ إنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ- يَا عَائِشَةُ- يَوْمَئِذٍ هَلَكَ، وَكُلُّ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةَ تَشُوكُهُ»«١» ، قال صاحب «السلاح» : رواه الحاكم في «المستَدْرَكِ» ، وقال: صحيحٌ على شَرْطِ مُسْلِمٍ، انتهى، ورَوَى ابن عمر أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:«مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ في الدُّنْيَا، هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» قال عزُّ الدينِ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ في اختصاره ل «رعاية المحاسبي» : أجمع العلماءُ على وجوبِ محاسَبَةِ النفسِ فيما سَلَفَ من الأعمال وفيما يُسْتَقْبَلُ منها، «فالْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بعد الموت، والعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وتمنى عَلَى اللَّهِ» ، انتهى.
وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ أي: الذين أعدَّهمُ اللَّه لهُ في الجنةِ، وأما الكافر فرُوِيَ أنَّ يَدَه تدخُلُ من صَدْرِه حتَّى تَخْرُجَ من وراءِ ظهرِه فيأخذَ كتابه بها.
ويَدْعُوا ثُبُوراً معناه: يصيحُ مُنْتَحِباً: وا ثبوراه وا حزناه، ونحو هذا، والثبور اسم جامع للمكاره، كالويل.
(١) أخرجه أحمد (٦/ ٤٨) ، وابن خزيمة (٢/ ٣٠) ، جماع أبواب الكلام المباح في الصلاة والدعاء والذكر، ومسألة الرب عزّ وجلّ- وما يضاهي هذا ويقاربه: باب مسألة الرب جل وعلا- في الصلاة محاسبة يسيرة، إذ المحاسبة بجميع ذنوبه والمناقشة به تهلك صاحبها (٨٤٩) ، والحاكم (١/ ٥٧- ٢٥٥) ، (٤/ ٢٤٩، ٥٨٠) . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنما اتفقا على حديث أبي مليكة، ومن نوقش الحساب عذب، ووافقه الذهبي.