إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١)
وقوله تعالى: قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ الآية، / في الكلامِ حَذْفٌ، تقديرُه: فقالَ لِهذَا الرجلُ حاضِرُوهُ مِنَ الملائِكَةِ: إنَّ قَرِينَكَ هذا في جَهَنَّمَ يُعَذَّبُ فقال عند ذلك: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ يخَاطِبُ ب «أَنْتُم» الملائكةَ أو رفقاءَه في الجنةِ أو خَدَمَتَهُ وَكُلَّ هذا حَكَى المَهْدَوِيُّ، وقَرَأ أبو عمرو في رواية حُسَيْنٍ «مُطْلِعُونَ» بسكون الطاء وفتح النون «١» ، وقرِىء شاذًّا «مُطْلِعُونِ» - بسكون الطاء وكسر النون «٢» -، قال ابن عباس وغيره: سَواءِ الْجَحِيمِ وَسَطُه «٣» ، فقال له المؤمِنُ عند ذلك: تَاللَّهِ، إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ أي: لَتُهْلِكُنِي بإغْوائِكَ، والرَّدَى: الهلاكُ، وقولُ المؤمِنِ: أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إلى قوله: بِمُعَذَّبِينَ يحتملُ أن تكونَ مخاطبةً لِرُفَقَائِهِ في الجَنَّةِ، لمَّا رأى مَا نَزَلَ بِقَرِينِهِ، ونَظَرَ إلى حالِه في الجنَّةِ وحالِ رُفَقَائِهِ قَدَّرَ النعمةَ قَدْرَهَا، فَقَالَ لهم على جهة التوقيفِ على النِّعْمَةِ: أفما نحن بميِّتين ولا معذَّبين، ويجيء على هذا التأويل قوله: إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
إلى قوله:
الْعامِلُونَ مُتَّصِلاً بكَلاَمِهِ خِطَاباً لرفقائهِ، ويحتمل قوله: أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ أن تكون
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٤٧٤) . ووقع في رواية أبي بكر بن مجاهد أن أبا عمرو قرأها مثل قراءة الباقين، غير أنه قرأ: «فأطلع» مبنيا للمجهول. ينظر: «السبعة» (٥٤٨) ، و «الحجة» (٦/ ٥٥- ٥٦) ، و «مختصر الشواذ» ص: (١٢٨) ، و «المحتسب» (٢/ ٢١٩) . (٢) وقرأ بها أبو البرهسم، وعمار بن عمار. قال ابن عطية: وردّ هذه القراءة أبو حاتم وغيره ولحنوها وذلك أنها جمعت بين ياء الإضافة ونون المتكلم، والوجه أن يقال: «مطلعيّ» . ووجه القراءة أبو الفتح بن جني، وقال: أنزل الفاعل منزل الفعل المضارع، وأنشد الطبري [الوافر] : وما أدري وظن كلّ ظن ... أمسلمني إلى قومي شراحي وقال الفراء: يريد شراحيل. ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٤٧٤) ، و «المحتسب» (٢/ ٢٢٠) ، و «البحر المحيط» (٧/ ٣٤٦) ، و «الدر المصون» (٥/ ٥٠٣) . (٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٩١) برقم: (٢٩٣٨٥) عن ابن عبّاس، وبرقم: (٢٩٣٨٧) عن الحسن، وبرقم: (٢٩٣٨٩) عن قتادة، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٢٨) عن ابن عبّاس، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٢١) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.