وقوله تعالى: إِلَّا الْمُصَلِّينَ أي: إلا المؤمنينَ الذين أمْرُ الآخِرَةِ عليهم أوْكَدُ مِنْ أمْرِ الدنيا، والمعنى أن هذَا المعنى فِيهم يَقِلُّ لأنهم يُجَاهِدُونَه بالتقوى.
وقوله: الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ أي: مواظبون، وقد قال ع «أَحَبُّ العَمَلِ إلَى اللَّه مَا دَامَ عليه صاحبُه» . ت: وقد تقدم في سورةِ «قَدْ أَفْلَحَ» ما جَاءَ في الخشوعِ، قَالَ الغزاليُّ: فَيَنْبَغِي لك أنْ تفهمَ ما تقرؤه في صلاتِك ولاَ تَغْفُلَ في قراءَتِك عن أمْرِه «١» سبحانَه، ونهيه، وَوَعْدِه، وَوَعِيده، ومواعظِه وأخبارِ أنبيائِه، وذِكْرِ مِنَّتِه وإحْسَانِه، فلكلِّ واحدٍ حَقٌّ فالرجَاءُ حق الوَعْدِ، والخَوْفُ حقُّ الوعيد، والعَزْمُ حق الأمْرِ والنّهي، والإتِّعاظُ حقُّ الموعِظَة، والشكرُ حقُّ ذكر المِنَّةِ، والاعتبارُ حق ذِكْر أخبارِ الأنبياء، قال الغزالي: وتكونُ هذه المعاني بِحَسَبِ دَرَجَاتِ الفَهْمِ، ويكونُ الفَهْمُ بِحَسَبِ وُفُورِ العلمِ. وصَفَاءِ القلب، ودَرَجَاتُ ذلكَ لاَ تَنْحَصِرُ، فهذا حقُّ القراءةِ وهُوَ حَقُّ الأَذْكَارِ، والتسبيحاتِ أيضاً، ثم يُرَاعى الهيئةَ في/ القراءةِ، فيرتِّلُ ولا يَسْرُدُ فإن ذلك أيْسَرُ للتأمُّلِ، ويُفَرِّقُ بَيْن نَغْمَاتِه في آياتِ الرحمةِ وآياتِ العذاب، والوعد والوعيد، والتحميدِ والتعظيمِ، انتهى من «الإحياء» ، ورَوَى ابن المبارك في «رقائقه» قال: أخبرنا ابن لَهِيعَةَ عن يزيدَ بْنِ أبي حَبِيبٍ أنَّ أبا الخَيْرِ حدَّثَهُ قال: سَأَلْنَا عقبةَ بنَ عامرٍ الجهنيّ عن قوله- عز وجل-:
الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ أهُمُ الذين يصلُّون أبَداً؟ قال: لا، ولكنَّه الذي إذا صلى لم يلتفتْ عن يمينهِ، ولا عن شماله، ولا خلفه «٢» ، انتهى.