ومنْه الحديثُ:«فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ» ، ولما ذكر سبحانه ما تقدَّم من الوعيد، واقتضى ذلك التحذيرَ، عقَّبَ ذلك عزَّ وجلَّ بالترغيبِ في ذِكْره حالةَ المُؤْمنين، وأعْلَمَ بصحَّة وعده، ثم قرَّر ذلك بالتَّوْقِيفِ علَيْه في قوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا، والقيلُ والقَوْلُ واحد، ونصبه على التمييز.
وقوله تعالى: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ ... الاية: الأَمَانِيُّ: جمع أُمْنِيَّة، وهي ما يتشهَّاهُ المَرْءُ، ويُطَمِّعُ نفسه فيه، قال ابنُ عبّاس وغيره: الخطاب لأمة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «٢» وفي «مختصرِ الطبريِّ» ، عن مسروقٍ وغيره، قال: احتجَّ المسلمونَ وأهْلُ الكتابِ، فقال المسلمون: نَحْنُ أهدى، وقال أهْلُ الكتابِ: نَحْنُ أهدى، فأنزل اللَّه هذه الآية «٣» ، وعن مجاهدٍ: قالتِ العربُ: لَنْ نُبْعَثَ، ولَنْ نُعَذَّبَ، وقالتِ اليهودُ والنصارى:
(١) البيت لجعفر بن علية الحارثي وقبله: فقلنا لهم تلكم إذا بعد كرّة ... تغادر صرعى نوؤها متخاذل ينظر: «ديوان الحماسة» (١/ ٨) ، وينظر: «البحر المحيط» (٣/ ٣٦٤) ، و «الدر المصون» (٢/ ٤٢٨) . وإن حصنا أي: إن عدلنا وانحرفنا عن الموت، يقول: لم ندر إن حدنا عن القتال الذي فيه الموت، وعدلنا عنه، كم يكون بقاؤنا؟! فلم نحيد ونرتكب العار؟! ولعلنا إن تركنا القتال لم نعش إلا قليلا. (٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٨٨) برقم (١٠٥٠١) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ١١٦) . (٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٨٧) برقم (١٠٤٩٧) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ١١٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٣٩٨) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مسروق.