وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ... الآية: عبارة أكثر المفسرين أَنَّ الذي لا يُسْرِفُ هو المُنْفِقُ في الطاعة وإنْ أفرط، والمُسْرِفَ هو المُنْفِقُ في المعصية وإنْ قَلَّ إنفاقهُ، وإنَّ الْمُقتِرَ هو الذي يمنع حَقّاً عليه وهذا قول ابن عباس «١» وغيره، والوجه أَنْ يقال: إنَّ النفقة في المعصية أمر قد حَظَرَتِ الشريعةُ قليلَه وكثيره، وهؤلاءِ الموصوفون مُنَزَّهُونَ عن ذلك، وإنَّما التأديب بهذه الآية هو في نفقة الطاعات والمُبَاحَاتِ، فأدب الشريعة فيها إلاَّ يفرط الإنسانِ حتى يُضَيِّعَ حَقّاً آخر أو عيالا ونحو هذا، وألّا يضيّق أيضا ويقتر حتى يجمع العيالَ ويفرط في الشُّحِّ، والحَسَنُ في ذلك هو القوام، أي: المعتدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله، وخير الأمور أوساطها ولهذا ترك النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أبا بكْرٍ الصِّدِّيقَ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ مَالِهِ لأَنَّ ذلك وَسَطٌ بنسبة جَلَدِهِ وَصَبْرِهِ في الدِّينِ، ومنع غيره من ذلك.
وقال عبد الملك بن مروان لعمرَ بن عبد العزيز حين زَوَّجَه ابنته فاطمة: مَا نَفَقَتُكَ؟
فقال له عمر: الحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ، ثم تلا الآية «٢» ، وقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: كفى بالمرء سَرَفاً أَلاَّ يشتهيَ شيئاً إلاَّ اشتراه فأكله «٣» . وقَواماً: خبر كانَ واسمها مقدّر، أي: الإنفاق.
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الآية: في نحو هذه الآية قَال اْبنُ مسعود:
(١) أخرجه الطبريّ (٩/ ٤١١) نحوه، وذكره البغوي (٣/ ٣٧٦) نحوه، وابن عطية (٤/ ٢٢٠) والسيوطي (٥/ ١٤٢) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس. (٢) ذكره ابن عطية (٤/ ٢٢٠) . [.....] (٣) ذكره البغوي (٣/ ٣٧٦) ، وابن عطية (٤/ ٢٢٠) ، والسيوطي (٥/ ١٤٣) ، وعزاه لعبد الرزاق عن الحسن.