وقوله سبحانه: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ... الآية: قال ابن عبَّاس: القرية هنا مكَّة، والمراد الضمائر كلِّها في الآيةِ أهْلُ القرية «١» ، ويتوجَّه عنْدِي في الآيةُ أنها قُصِدَ بها قريةٌ غير معَّينة جُعِلَتْ مثلاً لمكَّة، على معنى التحذير، لأهلها ولغيرها مِنَ القُرَى إِلى يوم القيامة/ وهو الذي يُفْهَمُ من كلام حَفْصَةَ أمِّ المؤُمنين، و «أَنعَم» جمع نِعْمة.
وقوله سبحانه: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ استعاراتٌ، أي: لما باشرهم ذلك، صار كاللِّباس، والضميرُ في جاءَهُمْ لأهل مكَّة، والرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والْعَذابُ: الجوعُ وأَمْرُ بَدْرٍ ونحو ذلك، إن كانت الآية مدنيةً، وإن كانَتْ مكِّية، فهو الجوع فقطْ.
وقوله سبحانه: فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً ... الآية: هذا ابتداءُ كلامٍ آخر، أي: وأنتم أيها المؤمنون، لستُمْ كهذه القريةِ فكُلُوا واشْكُروا اللَّه على تباين حَالِكم، من حال الكَفَرة، وقوله: حَلالًا حالٌ، وقوله: طَيِّباً: أي مستَلَذًّا إذ فيه ظهورُ النعمةِ، ويحتمل أن يكون «الطَّيْب» بمعنى الحلالِ، كُرِّر مبالغة وتأكيدا.
الآية: هذه الآية مخاطَبَةٌ للكفَّار الذينَ حرَّموا البحائر والسَّوائب، قال ابنُ العربيِّ «٢» في «أحكامه» ومعنى الآية: لا تصفوا الأعيان بأنها حلالٌ أو حرامٌ مِنْ قِبَلِ أنفسكم، إِنما المحرِّم والمحلِّل هو اللَّه سبحانه، قال ابن وَهْب: قال مالكٌ لم يَكُنْ مِنْ فُتْيَا النَّاسِ أنْ يقال لَهُمْ:
هَذَا حَلاَلٌ، وهذا حَرَامٌ، ولكنْ يقول: أَنا أَكْرَهُ هذا، ولَمْ أَكُنْ لأصنَعَ هذا، فكان النّاس
(١) أخرجه الطبري (٧/ ٦٥٥) برقم: (٢١٩٥٦) ، وذكره ابن عطية (٣/ ٤٢٦) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٨٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٢٥١) ، وعزاه لابن جرير. (٢) ينظر: «أحكام القرآن» (٣/ ١١٨٣) .