وخَصَّ هذا الصنف بالذكر تشريفاً لهم من حيثُ انتفاعُهُم بالتبصرة والذكرى، وَحَبَّ الْحَصِيدِ: البُرُّ، والشعير، ونحوُهُ مِمَّا هو نبات مُحَبَّبٌ يُحْصَدُ قال أبو حيان «١» : وَحَبَّ الْحَصِيدِ من إضافة الموصوف إلى صفته على قول الكوفيين، أو على حذف الموصوف وإقامة الصفة مُقَامه، أي: حب الزرع الحصيد على قول البصريين، وباسِقاتٍ حال مُقَدَّرَةٌ لأَنَّهَا حالةَ الإنبات ليست طوالاً، انتهى، وباسِقاتٍ: معناه طويلات ذاهبات في السماء، والطَّلْعُ أول ظهور التمر في الكفرّى، قال البخاريّ: ونَضِيدٌ معناه: مَنْضُودٌ بعضُه على بعض، انتهى، ووصف البلدة بالميت على تقدير القطر والبلد.
ثم بَيَّنَ سبحانه موضع الشَّبَهِ فقال: كَذلِكَ الْخُرُوجُ يعني: من القبور، وهذه الآيات كلها إنَّما هي أَمْثِلَة وأَدِلَّة على البعث، وَأَصْحابُ الرَّسِّ: قوم كانت لهم بئر عظيمة، وهي الرَّسُّ، وكُلُّ ما لم يُطْوَ من بئر، أو مَعْدِنٍ، أو نحوه فهو رَسٌّ، وجاءهم نبيٌّ/ يُسَمَّى حَنْظَلَةَ بن سفيان- فيما رُوِيَ- فجعلوه في الرَّسِّ وردموا عليه، فأهلكهم اللَّهُ، وقال الضّحّاك: الرّسّ بئر قتل فيها صاحب «يس»«٢» ، وقيل: إنَّهم قوم عاد، واللَّه أعلم.
وقوله: كُلٌّ قال سيبويه: التقدير: كُلُّهم، والوعيد الذي حَقَّ: هو ما سبق به القضاءُ من تعذيبهم.
وقوله سبحانه: أَفَعَيِينا توقيف للكفار، وتوبيخ، والخلق الأَوَّلُ: إنشاء الإنسان من نُطْفَةٍ على التدريج المعلوم، وقال الحسن «٣» : الخلق الأول: آدم، واللَّبْسُ: الشَّكُّ والريب، واختلاط النظر، والخَلْقُ الجديد: البعث من القبور.
وقوله سبحانه: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ... الآية: الإنسان: اسم جنس، وتُوَسْوِسُ معناه: تتحدث في فكرتها، والوسوسةُ إنَّما تُسْتَعْمَلُ في غير الخير.
وقوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ: عبارة عن قُدْرَةِ الله على العبد،
(١) ينظر: «البحر المحيط» (٨/ ١٢١) . (٢) أخرجه الطبري (١١/ ٤١٢) برقم: (٣١٨٣٩) ، وذكره ابن عطية (٥/ ١٥٨) . (٣) ذكره ابن عطية (٥/ ١٥٩) .