وقوله تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قال مجاهد: نزلت في بني أسد «١» ، وهي قبيلة كانت تجاور المدينة، أظهروا الإسلام، وفي الباطن إنَّما يريدون المغانمَ وَعَرَضَ الدنيا، ثم أمر اللَّه تعالى نَبِيَّهُ أَنْ يقول لهؤلاء المُدَّعِينَ للإيمان: لَمْ تُؤْمِنُوا أي: لم تصدقوا بقلوبكم، وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا أي: استسلمنا، والإسلام يقال بمعنيين:
أحدهما: الذي يَعُمُّ الإيمانَ والأعمالَ، وهو الذي في قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: ١٩] والذي في قوله ع: «بُنِيَ الإسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ»«٢» .
والمعنى الثاني للفظ الإسلام: هو الاستسلام، والإظهار الذي يُسْتَعْصَمُ به ويحقن الدم، وهذا هو الذي في الآية، ثم صَرَّحَ بأَنَّ الإيمان لم يدخل في قلوبهم، ثم فتح باب التوبة بقوله: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... الآية، وقرأ الجمهور:«لاَ يَلِتْكُمْ» من «لاَتَ يَلِيتُ» إذا نقص يقال: لاَتَ حَقَّهُ إذا نَقَصَهُ منه، وقرأ أبو عمرو:«لاَ يَأْلِتْكُمْ» من «أَلَتَ يَأْلِتُ»«٣» وهي بمعنى لات.
وقوله سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إنما هنا حاصرة.
وقوله: ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أي: لم يشكوا، ثم أمر الله تعالى نبيّه ع بتوبيخهم بقوله: أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ أي: بقولكم آمنا، وهو يعلم منكم خلاف ذلك
(١) أخرجه الطبري (١١/ ٣٩٩) برقم: (٣١٧٧٥) ، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢١٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١١١) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر. (٢) تقدم. (٣) وحجة أبي عمرو في قراءته، قوله تعالى: وَما أَلَتْناهُمْ [الطور: ٢١] ف «ألتناهم» مضارعه «يألتكم» . وحجة الباقين: أنهم زعموا أنه ليس في الكتاب ألف، ولو كانت منه كتبت بالألف، كما يكتب في يأمر، ويأبق. ينظر: «الحجة» (٦/ ٢١٠- ٢١١) ، و «السبعة» (٦٠٦) ، و «معاني القراءات» (٣/ ٢٥) ، و «شرح الطيبة» (٦/ ١٥- ١٦) و «العنوان» (١٧٨) ، و «حجة القراءات» (٦٧٦) ، و «إتحاف» (٢/ ٤٨٧) .