وقوله سبحانه: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً، يعني: مرجعاً عند اللَّه يوم القيامة ومنه: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ [البقرة: ١٢٥] ، ومشى المفسِّرون في هذه الآية على أنَّ الذين أُمِرَ- عليه السلام- أنْ يقول لهم: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ هم اليهودُ والكُفَّار المتَّخِذُون دينَنَا هُزُواً ولعباً قال ذلك «١» الطبريُّ «٢» ، وتُوبِعَ عليه، ولم يُسْنِدْ في ذلك إلى متقدِّم شيئاً، والآيةُ تحتملُ أنْ يكون القول للمؤمنين، أي: قُلْ يا محمَّد، للمؤمنين: هَلْ أنبئكم بِشَرٍّ مِنْ حال هؤُلاء الفاسِقِينَ في وَقْتِ المَرْجِعَ إلى اللَّهِ أولئك أسلافهم الَّذين لعنهم اللَّه، وغَضِبَ عليهم.
وقوله سبحانه: وَجَعَلَ، هِيَ بمعنى «صَيَّرَ» ، وقد تقدَّم قصص مَسْخِهِمْ قِرَدَةً في «البقرة» ، وعَبَدَ الطَّاغُوتَ: تقديره: ومَنْ عبَدَ الطاغوتَ، وقرأ حمزةُ وحده «٣»«وعَبُدَ الطَّاغُوتِ» - بفتحِ العين، وضمِّ الباءِ، وكسرِ التاء مِنَ الطاغوت- وذلك أنَّ «عَبُدَ» لفظُ مبالغةٍ كقَدُسَ.
قال الفَخْر: قيل: الطاغوتُ هنا: العِجْلُ، وقيل: الطاغوتُ أحبارهم، وكلُّ من أطاع أحداً في معصية اللَّهِ فقد عبده. انتهى.
ومَكاناً: يحتمل أن يريد في الآخرةِ، فالمكان على وجْهه، أي: المحلّ إذْ محلُّهم جهنَّم، ويحتملُ أنْ يريد في الدنيا، فهي استعارةٌ للمكانةِ، والحالة.
وقوله سبحانه: وَإِذا جاؤُكُمْ يعني: اليهودَ، وخاصَّة المنافقين منهم قاله ابن
(١) ينظر: «الطبري» (٤/ ٦٣٢) . (٢) ذكره الطبري في «تفسيره» ، (٤/ ٦٣٢) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ٢١١) . (٣) ينظر: «السبعة» (٢٤٦) ، و «الحجة» (٣/ ٢٣٦) ، و «إعراب القراءات» (١/ ١٤٧) ، و «العنوان» (٨٨) ، و «حجة القراءات» (٢٣١) ، و «شرح شعلة» (٣٥٣) ، و «شرح الطيبة» (٤/ ٢٣٣) ، و «إتحاف» (١/ ٥٣٩) ، و «معاني القراءات» (١/ ٣٣٥) .